وصف الحرفي عبدالنبي عبدالرحيم عمله بين واقعه وتطلعاته بأنه ينتمي لأسرة توارثت هذا الفن أبا عن جد، وقال إن الفخار حرفة من يصنعه لابد أن يمتلك من الموهبة والقدرة العالية على تطويع الخامة، فصناعة الفخار ليست سهلة وبها الكثير من التفاصيل التي تتطلب المهارة، وما نتطلع له هو تطوير المنتج من شكله التقليدي الى منتج فني ابداعي يستخدم في الديكور والهدايا التذكارية ليكون قابلا للاستخدام المعاصر، فقد ورث صنعته عن أبيه الذي توارثها عن أجداده ليكون امتدادًا لأسرة عملت على الفخار بوصفه منتجًا وطنيًا تراثيًا. أربعة عشر يومًا هو عمر رحلة قطعة الفخار من بدء تجهز الطين إلى أن يتم عرضها أمام من يريد أن يقتنيها، فعلى الرغم من تحديات السوق وتباين طرق التسويق للمنتج الحرفي إلا أن الأعمال اليدوية تملك من الفرادة لتكون شاهدة على ثقافة المكان ولتعبر عن أصالة وفرادة لا تتكرر. يقول عبدالنبي "نتحدث عن ديمومة الحرفة وتسويقها وإنتاجها، وتحويلها من حرفة قديمة بسيطة تتم على الدولاب فقط إلى صناعة يدوية متطورة نسعى جاهدين من أجل الرقي وتطوير القدرات الفنية والإبداعية عن طريق النحت والتصميم والبناء والتزجيج، فلدى الحرفي قصة عشق لتراث حضاري وثقافة إنسانية تميز أرض دلمون عبر الأزمان". الأواني الفخارية التي استخدمت منذ القدم لحفظ الطعام، هي اليوم تطعم بمواد جديدة لتكون أكثر جاذبية أمام الناظرين، ويقول عبدالنبي "أدخل على صناعة الفخار النحاس والبرونز والحديد والألمنيوم، إضافة إلى الألوان المختلفة والخط العربي والرسوم التراثية والزخارف، وهي كلها تفاصيل تزيد من قيمة المنتج الفخاري وجماليته، ولأن الفخار تراث غير مادي تتناقله الأجيال في قرية عالي، تعلمنا الحرفة منذ نعومة أصابعنا، بدأنا فيها كعمال مساعدين، إلى أن وصلنا إلى مرحلة الاتقان، كنا نعمل تحت إدارة قائد الورشة وكنا نسميه الأستاذ تعبيرا عن مكانته وعلمه". المبخر والحب والحصالة وجرار الماء وقطع فنية كثيرة أخرى تحكي حكاية وطن ارتبط بأقدم الصناعات التي عرفها الإنسان، ونصب عالي الذي يزين مدخل قرية عالي ليس سوى تثبيت لمكانة الفخار وقيمته كجزء من تاريخ وحضارة أرض دلمون. ويستذكر عبدالنبي والده قائلا "نعته صحف البحرين عند وفاته بعنوان ( مات ملك الفخار) في كناية عن مكانته وإكرامًا لمسيرة عمله الطويلة". وذكر طريقة العمل المتبعة في مصانع الفخار، حيث توجد عدة طرق للبناء الخزفي ومنها البناء بالشرائح الطينية والبناء بطريقة لف الحبال الطينية بحيث يشكل الحرفي الطين على صورة خيط ثعباني طويل، ثم يضعه على بعضه البعض كل خيط مع الآخر حتى تتلاءم مع الحجم والارتفاع الذي يتطلبه الإناء الفخاري، ثم يصنع الحرفي قاعدة تحتية يضعها أسفل فتحة الإناء، ثم يحسنه ويجعله رطب الملمس قبل أن يضعه في الفرن، أما الطريقة الأكثر استخدامًا الآن في مصانع الفخار فهي استعمال العجلة الدوارة حيث يضع الحرفي الطين على العجلة، ثم يقوم بتدويرها بواسطة رجله بينما يقوم بتشكيل الإناء وتحديد حجمه، ثم يضع الإناء في الفرن. كما سرد الحرفي بعض تفاصيل صناعة الفخار، وقال "نأخذ الطين من الرفاع، ثم نقوم على إعداد الطين في عالي والذي يمر بأربع عشرة مرحلة، ويتم ادخال القطع الفخارية في أفران تصل حرارتها إلى 1200 درجة، وهي أفران كبيرة كانت تكثر في مناطق معينة، واللافت في القدم أن سعف النخيل كان يستخدم في الحرق، والرماد المتكون من عملية الحرق تلك يستخدم في تسقيف البيوت قديمًا وهي عملية تدوير جميلة ستبقى حاضرة في ذاكرة الوطن، أما الآن يستخدم الكيروسين لحرق الأواني الفخارية". وفي ختام حديثه ذكر الحرفي عبدالنبي عبدالرحيم أنه يتطلع إلى الإبداع في الصنع وتطويره بما يحقق تميز المنتج، وهنا لابد من الإشارة إلى اهتمام الجهات المعنية في هيئة البحرين للثقافة والآثار بصناعة الفخار وعمل خطط للحفاظ على ديمومتها، إلى جانب اهتمام وزارة التربية والتعليم بحفظ هذا التراث وتعليمه في المدارس للأجيال الجديدة، واهتمام جامعة البحرين بهذا الفن الأصيل.
مشاركة :