قالت كوندوليزا رايس وزيرة خارجية أميركا في عهد الرئيس جورج دبليو بوش إن الولايات المتحدة الأميركية تعمل على نشر (الديموقراطية ) بقواعد أميركية في العالم العربي عبر تشجيع (الفوضى الخلاقة) وبدء تشكيل ما وصفته بالشرق الأوسط الجديد.كان ذلك في حديث لها مع جريدة «واشنطن بوست» الأميركية في شهر أبريل 2005. ومضى حتى اليوم ستة عشر عاماً تقريباً على ذلك الحديث وبداية تنفيذ خطة (الفوضى الخلاقة) في العالم العربي بشكل علني.الآن انتقلت أميركا الى تنفيذ خطة جديدة تعيد فيها تموضعها في الشرق الأوسط (الجديد / القديم) وتركز بشكل أكبر على الصين وما حواليها تاركة الأوربيين يتخبطون في تحديد إستراتيجيتهم تجاه روسيا وطريقة التعامل معها، بدون إشراف أميركي مباشر.وبالطبع لن تتوقف خطة (الفوضى الخلاقة) بل هي ماضية وتتحرك في أكثر من موقع في البلاد العربية بينما تسعى قوى متعددة للاستفادة من الفوضى القائمة. ونحتاج في عالمنا العربي الى وضع قائمة، وستكون طويلة، بما جرى ويجري في أكثر من بلد عربي والى التطورات المتوقعة التي انتشرت في عدد من عواصمنا ولن يكون من الصعب رصد ما يحدث ووضع احتمالات لما يمكن أن يتحول اليه الوضع الحالي لكل عاصمة عربية على حدة أكان السودان أو سوريا والعراق أو ليبيا كمثال.لم تكن أميركا بحاجة الى إثارة كل هذه الضوضاء لتعلن عن تقليص التزاماتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط بهدف الانتقال لمواجهة الصين في آسيا القريبة جغرافياً من بكين.ولكنه التكتيك الذي رغبت واشنطن إيصال رسائل متعددة عبره لدول الشرق الأوسط وكذلك الصين.ويبدو لي أن أميركا تستخدم نفس إطار (الفوضى الخلاقة) في مواجهتها مع الصين، ليس لتغيير النظام الصيني من الداخل بالضرورة، وإنما لجر الرئيس الصيني بعيداً عن برنامجه الناجح في بناء الصين الحديثة.حيث نجحت بكين في تطوير أسلحة حديثة متفوقة واستعرضت بعضها مؤخراً ومنها صواريخ عابرة للقارات يمكن لكل صاروخ منها حمل عشرة رؤوس نووية وبإمكانها الوصول الى أميركا في أقل من نصف ساعة ويبلغ مداها مسافة أبعد من أي صاروخ آخر في العالم، وعرضت لأول مرة أسلحة حديثة جديدة وتشمل صواريخ هجومية تطير بسرعة خمس مرات سرعة الصوت.بالإضافة الى اقتصاد قوي جداً ينمو بسرعة هائلة وخطط متواصلة لرفع الكفاءة الاقتصادية الصينية من ضمنها العمل على استثمار بلايين الدولارات بهدف زيادة عدد الطبقة الوسطى في المجتمع الصيني بقدرات مادية تمكنهم من ضخ المزيد الى الاقتصاد الصيني وتمكينه من النمو أفضل من أي اقتصاد آخر في العالم.النظام الأميركي يتيح للفرد التطور والمنافسة والعمل بشكل أفضل من أي نظام آخر في العالم لأن الحرية المتاحة للفرد تفوق ما يتوفر من حرية في التجارة للفرد الصيني، وبالتالي يمكن لأميركا إن توفرت لها قيادة مناسبة أن تنافس التقدم العلمي والاقتصادي الصيني بشكل أفضل مما هي عليه الآن. وتسعى واشنطن الى بناء عالم جديد تحت قيادتها، وهذا أمر لن تتمكن منه أميركا في ظروفها الداخلية الحالية.وهي قد تنجح نسبياً في مسعاها للحد من المسيرة التنموية الهائلة للصين، ولكن عليها أن تقبل بأن تكون قطباً في العالم من قطبين وربما أكثر.وكانت أميركا خرجت من الحرب العالمية الثانية تبشر أوروبا والعالم بأنها البوصلة الأخلاقية للنظام العالمي الجديد، إلا أن هذا الوضع قد اختلف الآن وعلى أميركا مراجعة أمورها إن أرادت النجاح في سعيها فهي تعاني حالياً من خسارة رصيد الثقة والصدقية عالمياً نتيجة لتقلباتها تجاه حلفائها مقابل مصالح شعارات انتخابية وسياسات داخلية وعليها مراجعة هذا الأمر إذا رغبت في النجاح مستعينة بأصدقاء وحلفاء، إذ إنها لن تحقق الكثير بدون مساندة من هؤلاء.
مشاركة :