بغداد - (وكالات الأنباء): سجلت الانتخابات التشريعية العراقية المبكرة نسبة مقاطعة غير مسبوقة، وفق أرقام نشرت أمس الإثنين، وبالكاد حفّزت الناخبين الغاضبين من الفساد المزمن والخدمات العامة المتردية ونظام سياسي يعتبرون أنه غير قادر على تحسين ظروف حياتهم. في هذه الأثناء، لا تزال البلاد تنتظر نتائج الانتخابات التي جرت الأحد الماضي من دون حوادث تذكر. وأعلن رئيس المفوضية العليا للانتخابات جليل عدنان في مؤتمر صحفي بعد ظهر أمس الإثنين البدء بإصدار النتائج الأولية في عشر محافظات من أصل 18 محافظة عراقية، ولا سيما النجف وكربلاء في الوسط، والأنبار غرباً وصلاح الدين شمالاً. ويجري نشر أسماء الفائزين في كل دائرة من الدوائر الـ83 على حدة تباعاً من غير نشر الكتل السياسية التي ينتمون إليها، ولذا لم تتضح بعد أحجام الكتل السياسية المتنافسة بشكل عام على المقاعد الـ329، فيما تلزم الأحزاب الكبرى حتى الآن الصمت بشأن عدد المقاعد التي حصلت عليها. ودعي نحو 25 مليون شخص يحق لهم التصويت للاختيار بين أكثر من 3200 مرشح. لكن نسبة المشاركة الأولية بلغت نحو 41%، من بين أكثر من 22 مليون ناخب مسجل، وفق ما أعلنت المفوضية العليا للانتخابات صباح أمس الاثنين. وتمثّل هذه النسبة مقاطعة قياسية في خامس انتخابات يشهدها العراق منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 إثر غزو أمريكي. ففي العاصمة بغداد، تراوحت نسبة المشاركة بين 31 و34 في المئة وفق المفوضية. وفي مراكز الاقتراع التي زارها صحفيون في وكالة فرانس برس في العاصمة، كان حضور الناخبين، الذين كان عدد كبير منهم من المسنين، ضعيفاً. وفي عام 2018، بلغت نسبة المشاركة 44.52%، وفق الأرقام الرسمية، وهي نسبة اعتبرها البعض مضخمة حينذاك. وتمت الدعوة إلى انتخابات هذا العام قبل موعدها الأساسي في عام 2022، بهدف تهدئة غضب الشارع بعد الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في خريف عام 2019 ضد الفساد وتراجع الخدمات العامة والتدهور الاقتصادي في بلد غني بالثروات النفطية، لكن الانتفاضة قوبلت بقمع دموي، أسفر عن مقتل نحو 600 شخص وإصابة أكثر من 30 ألفاً بجروح، تلته حملة اغتيالات ومحاولات اغتيال وخطف لناشطين، نسبت إلى فصائل مسلحة موالية لإيران والتي باتت تتمتع بنفوذ قوي في العراق. ويتوقع خبراء أن تحافظ الكتل السياسية الكبرى على هيمنتها على المشهد السياسي، بعد هذه الانتخابات التي اختار ناشطون وأحزاب منبثقة عن التظاهرات مقاطعتها، معتبرين أنها تجري في مناخ غير ديمقراطي. وبذلك، سيبقى البرلمان العراقي مقسماً وبدون غالبية واضحة، ما يرغم التكتلات على التحالف فيما بينها. متحدثا عن تراجع بعض التيارات، توقع الباحث ورئيس مركز التفكير السياسي العراقي إحسان الشمري حصول «توترات بين القوى السياسية، وصراعاً على منصب رئيس الوزراء وتقاسم الوزارات»، لكنه رأى في الوقت نفسه أن «كل المؤشرات تدلل على عودة التوافق السياسي». قال حيدر كرار البالغ من العمر 26 عاماً صباح أمس الاثنين في بغداد، فيما كان يعمل على إزالة اللافتات الانتخابية: «نفس الوجوه سوف تعود ولا تغيير. راتبنا كعاملين لا يتجاوز 260 ألف دينار (حوالي 178 دولاراً). قليل جداً. لم أنتخب لأنه لا فائدة من ذلك. لا يوجد سياسي يسأل عن أوضاعنا، رواتبنا قليلة ونحن لدينا عائلات». ويعاني العراقيون، فضلاً عن البطالة، من انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي، حيث يعتمد العراق بالتزود في الكهرباء على جارته إيران. ويوضح المحلل السياسي في مركز «ذي سنتشوري فاونديشن» سجاد جياد لوكالة فرانس برس أن «نسبة المشاركة الضئيلة كانت متوقعة... ثمة لا مبالاة واضحة عند الناس، لا يعتقدون أن الانتخابات ستنتج تغييراً ولا يتوقعون تحسناً في أداء الحكومة أو في مستوى الخدمات العامة». ويشير إلى أن النسبة الضئيلة «ستضع شرعية رئيس الوزراء المقبل محط تساؤلات، لكن أيضاً شرعية الحكومة والدولة والنظام بأكمله».
مشاركة :