ارتبط الكرم والضيافة خصوصاً في مجتمعاتنا الشرق أوسطية بمسألة الطعام والولائم وبذخ الصرف على المظاهر في الموائد وما شابه، فتراثنا مليء بقصص فلان وعلان وهو يكرم ضيوفه، وفي كل مرة ترتبط القصة بالطعام بصورة أو بأخرى، لذلك نجد اليوم في مجتمعاتنا الاستهلاكية الريعية أعلى معدلات (ونسب) للنفاية البلدية وهي على صورة نفاية طعام تفوق نصف الكيلوغرام للفرد وبمعدل يومي. تراكم النفايات من الأطعمة، وهي بالمناسبة عادة ما تكون مناسبة للاستهلاك الآدمي ويتم التخلص منها قبيل إعادة تدويرها والاستفادة منها، تسبب مشاكل جمة على دورات الحياة الطبيعية والصناعية للمواد المنتجة، ولكن الأهم، في هذا السياق، هو استمرار تراكم "فائض القيمة" لكبرى الشركات الرأسمالية بهدف زيادة الربح، والعالم يعاني مشكلة تزايد الفقر والفقراء ممن يصنفون "تحت خط الفقر" أو "يعانون من سوء التغذية" نتيجة شح الموارد. ولكن ليصبح الكلام مدعماً بلغة الأرقام التي لا تكذب، فلنتدارس بعض الإحصائيات المهمة في المسألة: ينتج العالم قرابة الـ3.1 مليارات طن من نفاية الطعام الصالحة للاستخدام الآدمي، وعلى شكل منتجات متنوعة سنويا، ومن الجهة الأخرى يوجد، حسب آخر الإحصاءات، قرابة الـ700 مليون نسمة ممن يصنفون كجياع أو بشكل أدق مهددون بالفناء من جراء الجوع، ولكن هل هذه الأرقام منطقية لأي إنسان عاقل صاحب أدنى مراتب الحس الإنساني؟! بالطبع لا، ومع احترام اللوجستيات والتوزيع الجيوغرافي لنفاية الطعام نجد أن المشكلة ما زالت موجودة بل في تزايد ملحوظ، فكبرى الشركات تستأثر بطبيعة الحال بالأرباح ولكنها "تستخسر" في الجياع بقايا الأطعمة، ولها رغبة حقيقية في حرمان الشعوب من الاستفادة من فوائض الطعام والأغذية التي تباع، وكل ذلك طبعا من أجل الاستئثار بفائض القيمة الناجم من عملياتها، فالطعام المجاني "لا يربي الزبون"!! وفي معقل الرأسمالية تحديداً في الولايات المتحدة الأميركية ورغم إعلان كبرى شركات الأطعمة والأغذية سياساتها الخضراء وتحمل مسؤولياتها المجتمعية تجاه الفقراء، نجد أن قرابة الـ40 مليون مواطن أميركي هم في الواقع مهددون بقوت يومهم على مستوى الغذاء، كما نجد ونسمع عن قصص أكثر وحشية فيما يخص طرد موظفين في سلسلة مطاعم كبيرة ومعروفة حول العالم فقط لأنهم وزعوا ما تبقى من طعام في آخر الليل على الفقراء ممن يحتاجونه. للأمر اتصال أيضا بمسألة استغلال الموارد البيئية والثروات الطبيعية كذلك، فمن المتعارف عليه أيضا أن إنتاج الأطعمة سواء من المصانع أو إنتاج المواد الحافظة لها، أو حتى الاستغلال الزراعي على مستويات كبرى للشركات، مضر جداً بالبيئة ويؤدي إلى استنزاف موارد طبيعية كانت تشكل شيئاً من التوازن الطبيعي في الحياة. إن أردتم عدالة في التوزيع وتقسيماً عادلاً للثروات بحيث تضمحل نسبة الجياع تدريجيا، وجب عليكم الوقوف عند الإنتاج والمخلفات الناجمة عن نفايات الطعام!! على الهامش: انتقادك للوضع الراهن ليس ازدراء للنعم كما يروج له البعض، بل هو حق مشروع لتعديل وضع "مائل" وجب الوقوف عليه وانتقاده.
مشاركة :