الانتخابات عززت موقع مقتدى الصدر في العراق لكن لا مفرّ من التفاوض مع القوى النافذة الأخرى

  • 10/14/2021
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

بات التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر يملك ورقة ضغط في اختيار رئيس الوزراء العراقي المقبل بعد مكاسبه في الانتخابات التشريعية، لكن لا يزال عليه التوافق مع قوى الحشد الشعبي رغم تراجع أدائها الانتخابي. وحلّ الصدر في الطليعة بحصوله على أكثر من سبعين مقعداً من أصل 329، لكن استحواذه على اختيار رئيس وزراء وحيداً لا يزال أمراً مستبعداً. وأبعد من الخطابات ذات النبرة العالية والتوترات المنتظرة بين مختلف الأطراف السياسية، يرى خبراء أن انتخابات الأحد لن تفضي إلى زعزعة توازن القوى الهش القائم في بغداد، الذي يتحكم به الشيعة منذ نحو عقدين. لذلك لا بد للصدر من التحاور مع خصومه السياسيين في الحشد الشعبي. ومن 48 مقعداً في البرلمان السابق، تراجع عدد مقاعد تحالف الفتح الذي يمثل الحشد الشعبي ويضم فصائل شيعية موالية لإيران باتت منضوية في القوى الرسمية، إلى أقل من النصف، لكن عدد مقاتليه يبلغ نحو 160 ألفاً، حسب تقديرات مراقبين. ومع دعم حليفته إيران، يبقى الحشد قوة لا يمكن تجاوزها في السياسة العراقية. كذلك، حقق رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي حليف الحشد وطهران، خرقاً في الانتخابات. في المقابل، يؤكد الصدر الذي تزعّم أبرز فصيل مسلح قاتل القوات الأميركية بعد 2003 ويتبنى خطابا مناهضاً لإيران، أنه القوة الأولى في البرلمان. إلا أن تشكيل الحكومة وتسمية رئيس للوزراء لا يعتمد فقط على من يملك العدد الأكبر من المقاعد البرلمانية. ويشرح الباحث في مركز "تشاثام هاوس" البريطاني ريناد منصور لوكالة فرانس برس أن "النتائج تعطي الصدر اليد العليا على المشهد السياسي وفي المفاوضات. لكن ذلك ليس العامل الوحيد المهم"، موضحاً أنه "لا بد له من التفاوض مع الكتل الكبرى الأخرى". - "تهديد وعنف" - في أعقاب صدور النتائج الأولية، ألقى زعيم التيار الصدري خطاباً أشار فيه بشكل غير مباشر إلى الحشد الشعبي. وقال "يجب حصر السلاح بيد الدولة ويمنع استعمال السلاح خارج هذا النطاق وإن كان ممن يدعون المقاومة"، مؤكدا أنه "آن للشعب أن يعيش بسلام بلا احتلال ولا إرهاب ولا ميلشيات تنقص من هيبة الدولة"، في إشارة إلى الفصائل الموالية لإيران. وتأسس الحشد الشعبي في 2014 لمكافحة تنظيم الدولة الاسلامية ودخل البرلمان للمرة الأولى في 2018. وبعد الانتفاضة الشعبية التي هزت العراق في خريف 2019، وجهت التهم إلى الفصائل الموالية لإيران بالوقوف خلف عشرات الاغتيالات ومحاولات الاغتيال وعمليات الخطف لناشطين ومحتجين. وأواخر أيار/مايو، بعد توقيف مسؤول كبير فيه للاشتباه بأنه أمر باغتيال ناشط بارز، لم يتردد الحشد في استعراض قوته من أجل الإفراج عنه، ناشراً عناصره ومدرعاته عند مدخل المنطقة الخضراء حيث مقر الحكومة والسفارات الأجنبية في وسط العاصمة بغداد. ورغم تراجع حجمه البرلماني، لكن الحشد الشعبي "لا يزال يحتفظ بقدرة ضغط قسرية كبرى، سيلجأ إلى استخدامها خلال المفاوضات"، كما يوضح ريناد منصور. ولا يستبعد منصور في أن "تلجأ جميع الأطراف إلى التهديدات والعنف"، لكن ذلك لا يعني حرباً مفتوحة في ما بينها، كما أوضح. وقد أعرب تحالف الفتح عن رفضه لنتائج الانتخابات ونيته الطعن بها قانونياً، فيما كرر قياديون فيه تصريحاتهم المنددة بها منذ الأحد. واعتبر رئيس حركة حقوق التابعة لكتائب حزب الله إحدى فصائل الحشد الشعبي الأكثر نفوذاً حسين مؤنس أن "هذه الانتخابات هي أسوا انتخابات مرت على العراق منذ عام 2003"، فيما فاز تكتله بمقعد واحد فقط من أصل 32 مرشحاً. واتهم المتحدث العسكري أبو علي العسكري باسم هذا الفصيل المسلح رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بأنه "عراب تزوير الانتخابات"، لصالح حزب صغير يقول إنه منبثق من الاحتجاجات. - "رئيس وزراء تسوية" - لا يرى المحلل السياسي العراقي علي البيدر، تحالف الفتح كقوة معارضة في المشهد السياسي العراقي. ويوضح أن "ثقافة المعارضة بعيدة كل البعد عن السياسة في العراق، الكل يريد تقاسم السلطة"، مشيرا إلى أن "التحالف يحاول تحصين الجماعات المسلحة من أي مساءلة، لذلك أرى أنه من الصعب جداً أن يتواجد خارج منظومة السلطة". في البرلمان الجديد الذي يتوقع أن يكون مشرذماً، ستكون للعبة المفاوضات وعقد التحالفات، مكانة كبيرة، تفتح الباب أمام اختيار رئيس للوزراء وتقاسم الحقائب الوزارية. ويمكن للحشد أن يعتمد على تحالفه التقليدي مع نوري المالكي. وشكّل هذا السياسي الشيعي القديم الذي تولى رئاسة الوزراء لأطول مدة في تاريخ البلاد، مفاجأة في هذه الانتخابات، إذ حصل تحالفه البرلماني على أكثر من 30 مقعداً. ويطمح هذا التكتل السياسي عبر التحالف مع تيارات أخرى أصغر حجماً، تشكيل "الكتلة البرلمانية الأكبر" وتسمية "المالكي كرئيس للوزراء"، وفق ما يشرح الباحث في "واشنطن إنستيتوت" حمدي مالك. ويضيف الخبير أن "ذلك صعب التحقق، لكن قد يشكل نقطة انطلاقة للدخول في مفاوضات مع الصدر وضمان مناصب عديدة لهم في الحكومة المقبلة". وفي بلد يعاني من تدهور في البنى التحتية وينتظر إصلاحات لمكافحة الفساد المزمن، فإن تولي التيار الصدري فعلياً منصب رئاسة الوزراء دونه تحديات ويجعله عرضة للانتقادات. ويوضح مالك "أصبح مقتدى الصدر يتمتع بوضوح بهامش مناورة أكبر ليطلب مزيداً من النفوذ. لكنه ليس اللاعب الوحيد"، مرجحاً أن تكون "النتيجة الأكثر قابلية للتحقق هي اختيار رئيس وزراء تسوية لكن يكون للتيار الصدري قدرة كبيرة على التأثير فيه".

مشاركة :