تلملم بيروت، غداة اشتباكات عنيفة على وقع توتر سياسي مرتبط بمسار التحقيق في انفجار المرفأ، جراحها، الجمعة، بينما تستعد السلطات لتشييع ستة قتلى سقطوا خلال المواجهات في منطقة شكلت خط تماس خلال سنوات الحرب الأهلية الأليمة. وشهدت بيروت، الخميس، واحدة من أعنف المواجهات الأمنية منذ سنوات، في تصعيد يُنذر بإدخال البلاد في أزمة جديدة، بعد أكثر من شهر فقط على تشكيل حكومة تركز نشاطها على إخراج البلاد من دوامة الانهيار الاقتصادي. وتحولت مستديرة الطيونة، على بعد عشرات الأمتار من قصر العدل، حيث مكتب المحقق العدلي طارق بيطار، إلى ساحة حرب شهدت إطلاق رصاص كثيف وقذائف ثقيلة، وانتشار قناصة على أسطح ابنية، رغم تواجد وحدات الجيش وتنفيذها انتشاراً سريعاً في المنطقة، التي تعد من خطوط التماس السابقة خلال الحرب الأهلية. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل ستة أشخاص، بينهم امرأة لديها خمسة أبناء، أصيبت بطلق ناري في رأسها أثناء تواجدها في منزلها، فضلاً عن إصابة 32 آخرين بجروح. ونعت «حركة أمل»، ويتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، ثلاثة من عناصرها، كما دعت ميليشيات «حزب الله»، بعد الظهر لتشييع عنصرين، إضافة إلى المرأة في الضاحية الجنوبية لبيروت. ويسيطر، منذ عصر الخميس، هدوء على منطقة الاشتباكات، وسط انتشار كثيف للجيش، ونصبه حواجز تفتيش للسيارات والآليات العابرة. وبعد انتهاء الاشتباكات، أعلن الجيش أنه «أثناء توجّه عدد من المحتجين إلى منطقة العدلية للاعتصام، حصل إشكال وتبادل لإطلاق النار في منطقة الطيونة- بدارو»، بعدما كان أعلن في وقت سابق عن تعرض محتجين لرشقات نارية أثناء توجههم إلى قصر العدل. وأعلن وزير الداخلية بسام مولوي أن «الإشكال بدأ بإطلاق النار من خلال القنص»، الذي طبع مرحلة الحرب الأهلية. واتهم «حزب الله» و«حركة أمل» مجموعات من حزب «القوات اللبنانية»، بـ«الاعتداء المسلح» على مناصريهما، لكن الأخير اعتبر ذلك «مرفوضاً جملة وتفصيلاً»، متهماً عناصر من الحزبين بـ«الدخول إلى الأحياء الآمنة». ودعت موسكو، الجمعة، جميع الأطراف اللبنانية إلى «ضبط النفس». كما دعت واشنطن وباريس، الخميس، إلى «التهدئة» و«وقف التصعيد». وشدد البلدان على «استقلالية القضاء». وأعاد مشهد الاشتباكات، الخميس، ذكريات الحرب الأهلية الأليمة لدى مريم ضاهر (44 عاماً). وقالت: «تذكرت كل شيء.. سألت نفسي في أي رواق يجلس سكان أبنية الطيونة اليوم، ثم استرسلت في البكاء، وتذكرت نفسي طفلة مختبئة في رواق المنزل». وأعادت الأحداث إلى الأذهان أيضاً أزمة مايو/ أيار 2008، حين تطورت أزمة سياسية إلى معارك في الشارع بين ميليشيات «حزب الله» والأكثرية النيابية في ذلك الحين بزعامة سعد الحريري. وسيطر خلالها «حزب الله» لأيام على القسم الأكبر من الشطر الغربي لبيروت، قبل أن تتوصل الأطراف السياسية لاحقاً إلى تسوية. ومع إعلان الحكومة، الجمعة، يوم حداد رسمي قبل عطلة نهاية الأسبوع التي يعقبها، الاثنين، إغلاق لمناسبة عيد المولد النبوي، لن يكون بمقدور بيطار تحديد مواعيد لاستجواب ثلاثة وزراء سابقين، هم نواب حاليون، قبل الثلاثاء. ويرفض «حزب الله» وحركة «أمل» عقد الحكومة أي جلسة ما لم تكن مخصصة لبحث الموقف من المحقق العدلي في انفجار المرفأ الذي أودى بحياة نحو 215 شخصاً، وإصابة 6500 آخرين. وتُعد هذه أول أزمة سياسية تواجهها حكومة ميقاتي منذ تشكيلها في 10 سبتمبر/ ايلول، في وقت يفترض أن تنكبّ على إيجاد حلول للانهيار الاقتصادي المستمر في البلاد منذ أكثر من عامين. ويقع على عاتقها استئناف مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، كما التحضير للانتخابات النيابية المزمع عقدها في مايو/ أيار المقبل. وتنتقد قوى سياسية عدة، مسار التحقيق العدلي، في قضية الانفجار الذي عزته السلطات إلى تخزين كميات كبيرة من «نيترات الأمونيوم» بلا تدابير وقاية. وتبين أن مسؤولين عدة كانوا على دراية بمخاطرها. ومنذ ادعائه على رئيس الحكومة السابق حسان دياب، ونواب ووزراء سابقين، ومسؤولين أمنيين، يخشى كثيرون أن تؤدي الضغوط السياسية إلى عزل بيطار على غرار سلفه فادي صوان الذي نُحي في فبراير/ شباط الماضي، بعد ادعائه على مسؤولين سياسيين.
مشاركة :