لقد مكّن ظهور البيانات الضخمة والحوسبة السحابية والشبكات العصبية الاصطناعية والتعلم الآلي من إنشاء آلة يمكنها محاكاة الذكاء البشري. بناءً على هذه التقنيات، يشير هذا المقال إلى الآلات القادرة على إدراك المشكلات والتعرف عليها والتعلم والتفاعل وحل المشكلات مثل الذكاء الاصطناعي. إلى جانب الإصلاحات التعليمية الحالية مثل رقمنة الموارد التعليمية وتجارب التعلم الشخصية، هناك العديد من الفرص لتطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم. على سبيل المثال، تمكن النمذجة باستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل منهجي تطوير برامج تعليمية تفاعلية وتكييفية لبناء بيئات تعليمية فردية، وقد يحل محلاً داعماً كتعويض عن النقص في المعلمين من خلال استخدام نظام التدريس الذكي. هناك الكثير من التجارب التعليمية المخصصة الحديثة تستخدم الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية في المدارس والجامعات. هناك ثلاث وجهات نظر أساسية للذكاء الاصطناعي في معالجة المعرفة: (أ) تمثيل المعرفة، (ب) الحصول على المعرفة، (ج) واشتقاق المعرفة. تاريخياً، قد مر الذكاء الاصطناعي بعدة مراحل والتي من أهمها دمجها في التعليم مؤخراً. يدعم «الجيل الأول» من الذكاء الاصطناعي العمل الفكري البشري من خلال تطبيق الخبرة المبنية على المعرفة expert knowledge، وقد أوجد «الجيل الثاني» الحل الأمثل من خلال النموذج الإحصائي والبحثي، بينما حسن «الجيل الثالث» أداء التعرف بشكل كبير والذي بني على أساس نموذج الدماغ brain model. سنطرح مجموعة من برامج الذكاء الاصطناعي والتي مكن تسخيرها بشكل إيجابي على مستوى إدارة العملية التعلمية، وعلى مستوى إدارة الجهات التعليمية. بداية، نطرح عليكم برنامج الـ «chatbot» على مستوى خدمات المحادثة، وهو عبارة عن روبوت متخصص في المحادثة حيث يحاكي هذا البرنامج المحادثات التي تشبه البشر مع المستخدمين عبر الرسائل النصية على صفحات الدردشة. وتتمثل المهمة الأساسية للبرنامج في مساعدة المستخدمين من خلال تقديم إجابات لأسئلتهم. يحصل هذا البرنامج على المعلومات من خلال أربع طرق رئيسية: مراقبة مدخلات الطلاب، وتقديم المهام المناسبة، وتقديم ملاحظات فعالة، وتطبيق واجهات للتواصل بين الإنسان والحاسوب. وبإمكاننا استخدام هذا البرنامج في تحسين المحادثات مع الطلبة، وخاصة في ما يتعلق بالقبول والتسجيل، لمواجهة تحديات التواصل مع الطلبة الذين تجاوزوا قدرة الجامعة في الرد على أسئلتهم والتفاعل معهم. ولنتصور قدرة هذا البرنامج المتخصص في التفاعل مع الطلبة مع العلم المسبق باسم الطالب وتخصصه وفي أي سنة دراسية، حيث يمكن استخدام ذلك كله في تحسين عملية المحادثة مع الطلبة. كما بإمكان البرنامج الوصول إلى الزائرين بشكل استباقي باستخدام تحيات chatbot المخصصة، وذلك في ابداء النصائح للطلبة الذي يعانون من رسوبهم في بعض المقررات أو أنهم مهددون بالخروج من الجامعة بسبب تدني مستواهم الأكاديمي. كما بإمكان الـ «chatbot» تحديد الطلبة الذين يحتاجون للإرشاد الأكاديمي وذلك بالتواصل مع المرشد الأكاديمي أو مدرس المقرر الدراسي. كما بإمكان البرنامج تحويل بعض الطلبة للإرشاد النفسي حسب تعريف المعلومات المتوفرة. بالطبع، نستطيع تسخير برنامج chatbot في الرد على استفسارات الطلبة حول مواعيد المحاضرات والاختبارات والتسليم والدرجات وغيرها. كما بإمكاننا تسخيره في مساندة ومساعدة الطلاب في العمليات الإدارية للقبول والتسجيل، مثل عملية حذف المواد أو إضافتها، وفي تقديم الدعم الفني للطلاب وأعضاء هيئة التدريس والموظفين. نطرح بين أيديكم برنامجاً آخراً والمعروف باسم «IBM Watson» والذي يقدم بعض الخدمات على المستوى التعليمي والإداري. فمثلاً، وقعت IBM Watson اتفاقيات مع شركة بيرسون Pearson Education وبلاكبورد Blackboard وورشة سيسامي Sesame Workshop وشركة أبل Apple من أجل تقديم تعليم أفضل للطلبة عن طريق ما يسمى «مساعد التدريس الافتراضي» والذي يفهم اللغة الطبيعية أو الدارجة للطلبة. في شراكتها مع Pearson، يتم توفير دروس خصوصية فردية للطلاب حول مواد القراءة. تميزت بعض النظم الجديدة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على التعرف على الكلام ومعالجة اللغة الطبيعية والتعلم الآلي لقياس جودة الحديث في الفصل، حيث يتم إنشاء أشكال جديدة من التفاعل لإثارة الأفكار وزيادة تشكيل التفاعل الفعال لبيئة التعلم. وفي مثال آخر، تم تطوير موقع تعليمي، Jutge.org، غني بالمعلومات والمشاكل الحقيقية التي قد تواجه الطلبة في عملية البرمجة، حيث ينظم هذا الموقع التغذية الراجعة للطلبة ليتدرج معهم في عملية التعلم. يقوم هذا الموقع بتوظيف خوارزميات تقيس المسار وتنشئ سلاسل سببية، والتي من خلالها تزود الطلاب بتعليقات وتلميحات مفصلة بدلاً من اختزال دور الذكاء الاصطناعي في إعطاء الإجابات الصحيحة فقط. هناك ما يسمى بالتعلم الغامر وهو نهج يمكّن الطلاب من صناعة صور الشخصيات أو الأدوات أو مشاهد لغرف أو أحداث محددة، حيث يغمر الطالب ذهنياً ونفسياً مما يعزز عملية التعلم لديه. يمكن لتقنية الرسومات ثلاثية الأبعاد والأجهزة التقنية الخاصة القابلة للارتداء إلى تعزيز أداء التعلم حيث يتم ربطها ارتباطًا وثيقًا بالمادة التعليمية الغامرة، والتي تتفاعل مع الأداء الأكاديمي للطلاب وتصوراتهم الإيجابية، مثل الإثارة والحماس والإبداع. قد يؤدي استخدام التعلم الغامر أيضًا إلى تقليل شعور الطلاب بالخوف من الموضوعات المعقدة والمفاهيم التقنية عندما يتعرضون لمحاكاة عملية جراحية أو العمل مع شخص «افتراضي» في أحد الأعمال، أو التعامل مع القضايا التكنولوجية والحاسوبية المعقدة. والأهم من ذلك ، تشجع العديد من أدوات التعلم الغامر على إنشاء البيئات وتغييرها، مما قد يعزز الإبداع. أختم بذكر أحد الألعاب المشهورة عالمياً التي تتكيف مع سلوكيات المتعلمين ومشاعرهم ديناميكيًا وتعرف بـ Minecraft Edu. تتميز هذه اللعبة بأنها أداة أو لعب محاكاة تاريخية حيث يمكن للطلاب التعرف على الشخصيات والأحداث التاريخية ومنها على السبيل المثال التعرف على انتشار الأوبئة والتكيف والتفاعل معها. يمكن للمتعلمين الوصول إلى الأحداث التاريخية بمشاعر حقيقية والتفاعل معها في الوقت الحقيقي. كما تقوم هذه اللعبة بتسجيل جميع البيانات لتفاعل اللاعبين، وبها تدير المشاعر المبنية على البيانات الضخمة من اللاعبين، فتقوم بتوجيههم وإثارة المشاعر لديهم في اتجاه الأهداف التي وضعت داخل اللعبة، سواء كانت أخلاقية أو غير أخلاقية، واقعية أو غير واقعية. ولذا على أهمية الذكاء الاصطناعي في عملية التعلم إلا أن هناك انتقادات في أن الذكاء الاصطناعي يصل للهدف بربط المدخلات بالمخرجات دون أي عناية بأي متغيرات أخرى (إذا لم تحدد) وخاصة الجوانب الواقعية منها أو الأخلاقية. أخيراً، هناك تحديات كبيرة تتعلق بتطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم. يعتمد الذكاء الاصطناعي على الخبرة المتراكمة المستمرة من المعلومات. يجب أن تكون المعلومات متوفرة بشكل مفهوم لدى نموذج الذكاء الاصطناعي الذي يربط بين المدخلات أو المتغيرات بالمخرجات. سيكون الارتباط ضعيفاً إذا كانت المعلومات غير واضحة أو غير جيدة أو غير منسقة بشكل صحيح. ولذا وجب وجود العقل البشري لينظم الاتجاه للذكاء الاصطناعي. فمثلاً، في بيئة التدريس المادية، يمكن للمعلم التفاعل مع الطلاب فور ظهور الصعوبات. ومع ذلك، فمن الصعب لمثل هذا التفاعل أن يظهر في الوقت المناسب في التعليم الإلكتروني عبر الإنترنت، حيث يتطلب الموقف خوارزميات ذكية لتقديم التغذية الراجعة تلقائياً. ولكن بالذكاء الاصطناعي، وبمساعدة الهندسة المعرفية القائمة على العامل التربوي، بإمكاننا وقد تم فعلاً تطوير مختبرات افتراضية ذكية لتقديم الملاحظات المناسبة للطلاب الذين يواجهون صعوبات في المختبر. لم يعد الذكاء الاصطناعي نظرية، بل أصبح علماً مطبقاً وقد أثبت نجاحه في الكثير من المجالات الحياتية والمهنية. ولذا وجب تدريب الطلبة على الذكاء الاصطناعي والذي سيمكنهم في سن مبكرة من التحلي بالمهارات الأساسية في تسخير وتطبيق الذكاء الاصطناعي في تطوير التطبيقات التخصصية والمهنية. * الخبير الدولي في جودة التعليم العالي
مشاركة :