قبل عامين، في 21 من أكتوبر/تشرين الأول، على وجه التحديد، اتفق مسؤولون جزائريون من وكالة ثقافية حكومية معروفة باسم AARC مع المخرج الأفرو-أمريكي تشارلز بارنت، على إنتاج فيلم عن أمير المجاهدين الجزائريين عبد القادر الجزائري، الذي قاد الثورة ضد الاحتلال الفرنسي في منتصف القرن التاسع عشر في الوقت الذي شاع فيه مفكراً ومؤلفاً. راعي الاتفاق كان المنتج والمخرج الأمريكي أوليفر ستون الذي عُرف بمواضيعه السياسية وأفلامه الانتقادية، والذي أراد أن يلعب دور المنتج المنفذ، الذي يتحكم في كل حركة سير الإنتاج عنده. في نهاية العام الماضي، أعيد إحياء المشروع، لكن شيئاً لم يحدث ولا أثمر الموضوع عن شيء ملموس. إلا أن أوليفر ستون كان لديه ما يشغله عن هذا المشروع الذي لا يدري ما يعيقه. فهو حالياً يحضر لإطلاق فيلم عن إدوار سنودون، موظف الأمن القومي الأمريكي الذي قلب الطاولة على قيادته ووشى بأسرار الدولة ولجأ إلى روسيا طلباً للحماية وما زال يعيش فيها حتى الآن. الفيلم الذي سيسبح في مدار الأوسكار المقبل من بطولة جوزف غوردون- ليفيت، لاعباً شخصية سنودن، وسكوت إيستوود، ابن كلينت إيستوود، ونيكولاس كايج وشايلين وودلي. وهي بالطبع ليست المرّة الأولى التي يختار فيها ستون أفلاماً كبيرة. على العكس، هو من دعاتها ويقدم عليها إخراجاً وإنتاجاً منذ بداياته. في الواقع أول مرّة أمسك فيها الكاميرا حقق فيلماً قصيراً بعنوان العام الماضي في فييتنام سنة 1971، على هوى فيلم العام الماضي في ماريانباد للمخرج ألان رينيه قبل 10 سنوات. وبعد أن امتهن إخراج الأفلام الطويلة بشريطي رعب، عاد للفيلم السياسي في سلفادور (1986) وتناول فيه حرب فييتنام مرّة أخرى في أفلام بلاتون ومولود في الرابع من يوليو والاقتصاد الداخلي في وول ستريت ووول ستريت2: المال لا ينام وشخصية جون كندي في JFK ثم شخصية نيكسون في فيلم بالاسم نفسه، فضلاً عن أفلام تسجيلية أحدها عن فيدل كاسترو وآخر عن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. عن حياته وأفلامه وأعماله، كان لقاؤنا مع المخرج أوليفر ستون.. * ماذا حدث لمشروع الأمير عبد القادر؟ - ليس لدي فكرة كاملة عن الموضوع. أستلم من حين لآخر إشارات بأن المشروع جدي، وأن النية معقودة لإخراجه، لكن لا شيء ملموس حتى الآن، والسيناريو لم يجهز تماماً أيضاً. ما بحثناه سابقاً، وأكثر من مرّة، هو كتابات مبدئية اتفقنا على صياغتها لكن لا أعتقد أن شيئاً من هذا تم. * أليس هناك من سيناريو؟ - نعم، لكنه كأي سيناريو آخر عليه أن يدخل مرحلة إعادة كتابته وفقاً لمعايير إنتاجية. * كان الفيلم، لو جرى تنفيذه، سيسير على خطى أسد الصحراء عن المناضل الليبي عمر المختار، الذي قاوم الاحتلال الإيطالي في مطلع القرن العشرين. - أعتقد ذلك. إنه مشروع جيد لو تم. * فيلمك الأول منذ متوحشون قبل عامين، هو سنودون. ما تاريخ هذا المشروع؟ - لم يتعرض لأي تأخير، إذا كان هذا ما تقصده بالسؤال. اشترى الإنتاج حقوق كتابين ظهرا في وقت واحد تقريباً عن إدوارد سنودون. الأول هو زمن الأخطبوط لأناتولي كوشينيرا والثاني ملفات سنودون للوك هاردينغ، والسيناريو أصبح جاهزاً قبل نحو سنة، أول أقل. في الواقع قبل رأس سنة 2015 بنحو أسبوع أو أسبوعين استلمت نسخة من السيناريو المعدّل وبدأنا التصوير في منتصف فبراير/ شباط هذا العام، كل شيء سار على ما يرام. * شاهدنا في ذلك الحين فيلم المواطن 4 الذي فاز بأوسكار أفضل فيلم تسجيلي، طبعاً هذا المشروع مختلف. أليس كذلك؟ - بلى بالطبع. هذا فيلم روائي، لو أننا حاولنا معالجة الحقائق باحترام وأمانة. وليس ممكناً أن تلغي الأحداث الواقعية بأي ثمن، فعليك أن تبقى حريصاً على الواقع والحقيقة حتى ولو كان الفيلم ترجمة روائية للأحداث. * البعض يتساءل عن السبب الذي يجعلك كثير الاهتمام بالمواضيع السياسية، إما كأحداث وقعت أو كشخصيات تاريخية قريبة. ماذا تقول في ذلك؟ - اهتمامي ينبع كشخص أمريكي حريص على سبر غور القضايا المطروحة، وهي قضايا سياسية وفضلاً عن أنني أريد أن يكون العالم أفضل مما هو عليه الآن. في كل أفلامي التي حملت هذا الاهتمام، حاولت أن أرصد فترة زمنية مرّت بها أمريكا ولا تزال، وأن أتحدث عما وقع، من منظور يقترح أن شيئاً آخر كان من الأفضل له أن يقع عوضاً عن ذلك. * حتى في الأفلام غير السياسية على نحو كامل ك المتوحشون، نجدك تحاول أن تتحدث عن المجتمع الماثل أمامك. - صحيح. أخرجت المتوحشون لأني أحببت الكتاب الذي وضعه دون وينزلو. اشتريت حقوقه بنفسي، ولو أن المسألة جرت من دون تخطيط. برايان لورد، وكيل أعمالي، بعث لي بالكتاب وقال لي: إقرأ هذا. إنه خاص. وبرايان لا يبعث لي بالكثير من السيناريوهات أو الكتب وحين يفعل أنتبه جيّداً. قرأته على نحو متسارع ووجدته رواية مشوّقة تختلف عن الروايات الأخرى حول المخدّرات. وهناك زاوية جديدة لها حول زارعي مخدّرات مستقلّين، مجموعة شبّان من كاليفورنيا يزرعونها، فإذا بها بعض أفضل المنتوجات في العالم. أفضل من الوارد من أفغانستان أو من فييتنام أو من جامايكا أو جنوب السودان. وهؤلاء يجدون أنفسهم فجأة، مهددون بالسقوط تحت سيطرة المؤسسات الكبيرة. * لكن الفيلم يقترح التمييز بين عصابات الكارتيل الكبيرة والصغيرة، كالعصابة التي يقودها بطلا الفيلم، كما لو أن علينا تأييد العصابات الصغيرة. هل توافق على هذا القول؟ - لا. في الأساس هو فيلم عن شقيقين أرادا استغلال الفرصة وتكوين ثروة عن طريق الاتجار في المخدرات. هذا واقع في مجتمعنا وليس فقط في الروايات. طبعاً من موقف أخلاقي صارم لابد من وقفة ضد الجهتين، لكني لست هنا كي أكون شرطياً. المشاهد يستطيع اتخاذ الموقف الأخلاقي الذي يريد لأن الفيلم يتيح ذلك فهو لا يدعو لنصرة فريق على آخر أو تحبيذ تجار صغار على كبار. كلهم يعملون في حقل غير قانوني وخطر، لكن الذي استهواني، تكملة لسؤالك، هو ما ورد في الكتاب من أحداث. ولم تكن كل أحداث الفيلم من الكتاب وحده، كان لابد من إضافة بعض المفارقات. فالكاتبان دون وينزلو وشاين ساليمو وأنا، اشتغلنا على الكتاب وطورناه إلى أن أصبح الفيلم الذي شاهدته. * متوحشون، كما استدارة وولدوا طبيعياً قتلة فيلم عنيف، في مقابل وول ستريت مثلاً. هناك عنف الواقع الاقتصادي، لكنه عنف مستتر. كيف ترى ذلك؟ - من يغمض عينيه عن العنف في العالم فهو في حالة نكران. كل منا فيه عنف، وأعتقد أن هناك العنف الطبيعي. ما أراه ضرورياً حين تبلغ سناً متقدماً هو التفريق بين العنف الضروري وغير الضروري. فعندما يقوم أحد شخصياتي الرئيسية بجريمة قتل لا داعي لها أريد أن أقول إنه تخطى الضرورة. * هل صحيح أنك تعطي ممثليك الكثير من الكتب والمقالات لكي يقرؤوها حول الموضوع الذي ستصوره من باب الاطلاع والمعرفة؟ - لا ليس صحيحاً. لا أعطهم الكثير من المواد لأنهم لا يقرؤون (يضحك). * كيف تختار مشاريعك؟ هل فقط بناء على مواضيعها السياسية؟ - سأكون صريحاً، أنا لا أخطط لها. أختار كل موضوع على حدة، في بعض السنوات كانت هناك عدة اختيارات متاحة قبل أن أنتقي واحداً منها وأتجاهل الباقي. لكني كما ذكرت مهتم بالواقع الأمريكي ولا أجد أن هناك الكثير من المخرجين الذين يكترثون بتقديمه، فأقوم أنا بذلك، ربما لم تكن الأضواء ستسلط عليّ لو أن هناك أكثر من هذه الحفنة من المخرجين الذين يتصدون لمثل هذه المسائل. * تقصد مايكل مور في السينما التسجيلية؟ - هو واحد من هذه القلة بلا ريب. * شاهدت قبل سنوات فيلمك عن ياسر عرفات. ماذا تقول فيه اليوم؟ - ربما ما قلته بالأمس. كان شخصية لافتة لأنه قاد حياة سياسية شائكة. منح الفلسطينيين حلم إنشاء دولة وبصرف النظر عن الإحباطات التي واجهها لم يتخل عن المواجهة ولا عن ذلك الحلم. * أعتقد أنك حين قابلته كان في ظرف صعب. هل انعكس ذلك على المقابلة؟ - نعم، كان في وضع حصار. وكان في وضع صعب وهذا انعكس تماماً على النتيجة، وجعلني أكتفي بالقليل من الحوار معه وأعمد إلى الأرشيف وإلى ما صوّرته عنه. وأعتقد أنه لو سمحت الظروف لاستطعت تحقيق فيلم أكثر تناولاً للوضع، وله على وجه الخصوص. * هل اهتمامك بالشخصيات الحقيقية هو ما يدفعك لتحقيق أفلام تسجيلية عنها؟ أم موقعها السياسي؟ - أعتقد أن ما يدفعني إلى الاهتمام بذلك خليط بين هذين الاهتمامين كما ذكرت. هناك شخصيات أحب أن أتحدّث من خلال الكاميرا معها. أفحصها وأعرض ما أفحصه للآخرين، وهي شخصيات تعيش وقائع سياسية خاصّة أو عامة ربما. غاية الفيلم، تسجيلياً كان أو روائياً، هي إثارة الحديث في جوانب مختلفة، وطرح أسئلة في جوانب الحياة. هذا ما أحب فعله.
مشاركة :