بيروت - (أ ف ب): على الرغم من خلافاتها حول مواضيع عدة، تتّفق قوى سياسية رئيسية في لبنان على عرقلة التحقيق القضائي في قضية انفجار بيروت المروّع الذي من شأنه أن يعّرضها للمساءلة، وفق محللين. ولا تتردّد بعض هذه القوى في الإقدام على خطوات سياسية وقضائية وحتى استخدام الشارع، لوقف المسار القضائي الحالي الذي يقوده المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، رغم المخاطر التي ينطوي عليها تحريك الشارع على السلم الأهلي. منذ انفجار المرفأ الذي أودى في 4 أغسطس بحياة 214 شخصاً على الأقل وتسبب بإصابة أكثر من 6500 آخرين ودمار أحياء واسعة من العاصمة، لم يحرز التحقيق المحلي أي تقدّم، بعد أن رفضت السلطات تحقيقاً دولياً. وعزت السلطات الانفجار عند وقوعه إلى تخزين كميات هائلة من نيترات الأمونيوم بلا إجراءات وقاية، وتبين لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر هذا التخزين ولم يتحركوا. خلال الأشهر الماضية، اصطدمت محاولات المحقق العدلي طارق بيطار وسلفه فادي صوان لاستجواب مسؤولين سياسيين وأمنيين، بتدخلات سياسية ودعاوى قضائية علقت التحقيق مرتين، ورفض المدعى عليهم المثول أمامه، قبل أن يدعو «حزب الله»، الرافض الأساسي لعمل بيطار، وحليفته حركة أمل، إلى تظاهرة للمطالبة بتنحي بيطار تطورت إلى أعمال شغب وإطلاق نار أوقع سبعة قتلى. وتقول مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز «تشاتام هاوس» لينا الخطيب لوكالة فرانس برس «تتفق الطبقة الحاكمة في لبنان على الرغبة بالتخلي عن تحقيق المرفأ وستستخدم الوسائل المتاحة كافة لعرقلة مساره». وإن كانت قوى سياسية رئيسية بينها تجمّع رؤساء الحكومات السابقين تنتقد أيضا عمل بيطار، إلا أن «حزب الله»، القوة العسكرية والسياسية الأبرز في البلاد، يقود الحملة ضده، متهماً إياه بـ«تسييس» التحقيق و«الاستنسابية» في الادعاء على مسؤولين، مطالباً بقاض «صادق وشفاف» لاستكمال التحقيق. ومنذ ادعائه على رئيس الحكومة السابق حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين من حلفاء «حزب الله»، إضافة إلى أمنيين، يواجه بيطار ضغوطاً سياسية متزايدة يخشى مراقبون أن تؤدي إلى عزله على غرار سلفه فادي صوان الذي نُحي في فبراير بعد ادعائه على مسؤولين سياسيين. وتندد منظمات حقوقية وذوو الضحايا بالتدخلات السياسية التي تعرقل التحقيق وبتخلّف مسؤولين عن حضور جلسات استجوابهم، مبدين خشيتهم من أن يكّرّس هذا السلوك مبدأ «الإفلات من العقاب» السائد في لبنان. ويشرح المدير التنفيذي للمبادرة العربية للإصلاح نديم حوري لوكالة فرانس برس «قررت شريحة من المجتمع أنها تريد المضي قدمًا وطلب الحقيقة»، لكنها تواجه «طبقة سياسية مستعدة لاستخدام التهديدات والعنف وحتى إطلاق حرب أهلية أخرى، للحؤول دون أن يؤدي هذا السعي من أجل الحقيقة إلى نتيجة». وتشعر الطبقة السياسية، وفق حوري، بأنها مهددة في ما يصفه بـ«معركة أساسية في لبنان من أجل سيادة القانون». وشكّل إصدار بيطار مذكرة توقيف غيابية بحق وزير المال السابق علي حسن خليل، عضو حركة أمل التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري، بعد تخلفه عن حضور جلسة استجواب، شرارة أثارت غضب الحركة و«حزب الله». وأتت مذكرة التوقيف بعد رفض محكمة التمييز كف يد بيطار عن التحقيق. ولم تثمر ضغوط حزب الله وحلفائه في دفع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأسبوع الماضي إلى تبني مطلب تنحية بيطار، الأمر الذي أطاح بجلسة للحكومة ويهدد بعرقلة عملها بعد شهر من تشكيلها في خضم انهيار اقتصادي غير مسبوق. فانتقل التوتر إلى الشارع. وتخشى الطبقة السياسية، وفق حوري، من أن يشكل تقدّم التحقيق حول انفجار المرفأ «سابقة» بعد نظام سياسي كرّس «الإفلات من العقاب منذ نهاية الحرب الأهلية». ويرى أن أركانها «بغض النظر عما سيتوصل إليه بيطار، يقاومون احتمال أن يخضع أي منهم للمساءلة». ويعرب حوري عن اعتقاده بأن حزب الله، من خلال قيادته الحملة ضد بيطار، «يتصرّف كما لو أنه الحرس الإمبراطوري للنظام القائم منذ التسعينات». وتقول الخطيب إن مكونات الطبقة السياسية «قد تتباين في السياسة لكنها تتحد في الاستفادة من النظام.. ومن هنا معارضتها أي خطوات لإصلاحه أو لتكريس المساءلة داخله». وتعرب الخطيب عن اعتقادها بأن «الطبقة الحاكمة تريد دفع اللبنانيين إلى الاستنتاج بأن ثمن المساءلة باهظ للغاية».
مشاركة :