العلاقات الثقافية بين المملكة العربية السعودية والعراق( 4-1)

  • 10/21/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تمهيد للساحل الشرقي لجزيرة العرب حضارة مغروسة جذورها في أعماق التاريخ البشري منذ تشكَّل في رُبُوعه أوَّلُ تجمُّع بشري على وجه البسيطة، مكوِّنًا أوَّل إمبراطوريَّة في التاريخ (1)يرجعها بعض الباحثين إلى الدهر الباليوسيني Paleocene Epoch, وهو العصر الذي ظهرت فيه الثدييات المشيمية، وبدايته تحسب منذ 65 مليون سنة، ونهايته منذ 55 مليون سنة(2)، والقدَر المعلوم عن إنسانه القديم يعود إلى عشرة آلاف سنة قبل الميلاد منذ طَرَدَ الساميون مَن كان قبلهم من السكان الحاميين الأوروأفريقيين، أو الزنوج، أو امتصوهم بعد اجتياحهم لأراضيه(3)، ومنذئذٍ تعاقبت على استيطانه أمم بائدة لا يعرف عنها شيء، غير طسم وجديس وما أكتنفهما من أساطير، وأول ما عُرف من الأمم المتحضرة التي استوطنته؛ العماليق، ثم الكنعانيون، والفينيقيون(4)، وليس هنا موضع الغوص أو البحث في تاريخه، لكن إيماءة عن بداية العلاقة الثقافية بينه وبين العراق لا غنية عنها. أسماؤه القديمة وحدوده اشتُهِر هذا الساحل لدى الجغرافيين القدماء بأربعة أسماء هي: البحرين، والقطيف، أوالخط، و(هَجَر)، وهذه الأسماء جميعها تَعني بلدًا أو إقليمًا واحدًا تحوزه البقعة الممتدَّة من عُمانَ جنوبًا، إلى البصرةِ شمالاً، ويَلْحَق به الخليج الواقع شرقيَّه وما يلحق به جزر، والفضاءُ الممتد غربيه حتى اليمامة، ومركزه مثلثٌ يضمُّ حواضرَ ثلاثًا هي: البحرين، (وهي القطيف، وتُسمَّى الخَطَّ أيضًا)، وما يتبعها من قرىً و(هِجَر)، وواحات، وجزرٍ، فيها الكبير المأهول مثل البحرين الحالية (قديمًا أوال والمحرَّق)، وما يلحق بهما من جزر، وتاروت، وفيلكا، وكثير غير مأهول مثل جِنَة والمسلمية، وأبو علي، وغيرها. الميثلوجيا أو الأسطورة، قبل الأديان وبعدها وهذه أيضًا حديثها طويل، أكتفي منه بالإشارة إلى جلجامش ناظم أقدم الأعمال الأدبية العظيمة، وثاني أقدم النصوص الدينية المتبقية لبلاد الرافدين، فأشير مجرد إشارة إلى قصة سَفَره إلى (أرض الفردوس - دلمون) بحثًا عن الخلود، وهربًا من الفناء(5)، ودلمون هذه يحددها بعض الإخوة مثقفي البحرين بالبحرين الجزيرة حصرًا، دون غيرها، اعتمادًا على ما عثر عليه في تلال بلدتي عالي وباربار، من آثار في حين يكشف التنقيب أن تلك الآثار منتشرة في سواحل المنطقة وجزرها كالقطيف وتاروت وعيون السيح بالظهران، وثاج، وجزيرة فيلكا في الكويت، وأم النار ومليحة في الإمارات العربية المتحدة، في صورة تماثيلَ ولقىً، وفخاريات تنتمي إلى حضارات قديمة؛ دلمونية، وفينيقية. ويستمر مسلسل الأساطير الفولكلوري حتى القرن العاشر، فنقرأ: أن الشيخ حسين بن عبدالصمد الهمداني الجبعي العاملي، والد الشيخ البهائي المشهور؛ سافر إلى مكة المكرمة قاصدًا الحج والإقامة فيها إلى أن يموت كي يدفن فيها، فرأى في المنام كأن القيامة قد قامت، وأن الأمر صدر من الله جلَّ جلاله برفع أرض البحرين وما فيها إلى الجنة، فأدى المناسك، ثم سافر إلى البحرين، ومات ودفن في قرية المصلى(6). وتلاحقنا الأسطورة حتى عصرنا الحاضر، فنقرأ عند الشيخ علي البلادي (رحمه الله) حكاية ملخصها أن أبا الدنيا؛ عثمان بن خطاب الهمداني اليمني، نظر في كتب الأوائل، فوجد فيها ذكر (نهر الحياة)، وأنَّ مَن شرِب منه عَمَّر. فتزوَّد بالزاد والماء، وخادمين، وعدة من الجمال، واصطحب معه ابنه عليًّا، ودخل الظلمات، وشرع في البحث عن النهر، لكنه لم يعثر له على أثر، وفي أحد الأيام عثر الولد >بنهرِ ماءٍ أبيضِ اللون، لذيذ ، ، ، فشرب منه، وحين عاد الخادمان من جولة البحث، بشرهما بما وجد، فبحثا عن النهر فلم يجداه(7)، فتيقن الأب أن البقاء مقدَّر لولده دونه. حكاية هذا المعمر اليمني تبدو مقحمةً على سياق موضوعنا المحصور، أساسًا، بشرق الجزيرة العربية، لكن لديَّ مسوِّغًا قويًّا ينفي عنها ظِنَّة الإقحام، فالقصة يرويها الشيح علي بن الشيخ حسن البلادي، البحراني القديحي، (ينتسب إلى آل سليمان، من الأحساء)، عن أوثق مشائخه السيد هاشم بن الحسين ابن السيد عبد الرؤوف الأحسائي، عن شيخه الشيخ محمد الحرفوشي أن الشيخ الحرفوشي رأى ذلك المعمر في أحد مساجد الشام، وكان عتيقًا مهجورًا، فاستجازه فأجازه. فلو لم تكن أمثال هذه الحكايات سائدة ومتعارف على قبولها في بيئته لما اهتم بها ودونها وهي خارج سياق كتابه. مكانتها الثقافية غني عن البيان أن لهذه المنقطة مكانةً عريقة باذخة في مضمار الثقافة والعلم والأدب حفلت بها كتب الأدب، فقد أنجبت قامات باسقة كنخيلها، في الشعر والأدب وسطع بها أسماء خطباء مشهورون مثل صعصعة بن صوحان، و أخويه زيد، وسيحان، وصحار بن عياش، ومصقلة بن رقبة، ورقبة بن مصقلة، وكرب بن رقبة، ومن شعرائه طرفة ابن العبد، من أصحاب المعلقات، وخاله المتلمس، ومن شاعراته الخرنق، وعشرقة المحاربية، قائلة الأبيات الشهيرة جريت مع العشّاق في حلبة الهوى ففتّهم سبقاً وجئت على رسلي تسربلت ثوب الحبّ مذ أنا غِرَّةٌ ومتّعت منه بالصدود وبالوصل فما لبس العشّاق من حلل الهوى ولا خلعوا إلاّ الثياب التي أبلى ولا شربوا كأسًا من الخمر مرّة ولا حلوة إلاّ وشُربُهمو فضلي ولو أردت تقصي النصوص الموثقة للحالة الثقافية في المنطقة لما وسعها كتاب، لذلك أختم هذا المدخل بالاشارة إلى احتكام جرير والفرزدق - في المنافرة التي وقعت بينهما - إلى الصلتان العبدي المحاربي من شعراء شرقي الجزيرة، فحكم بينهما، لكن حكمه أثارهما عليه، فقال جرير يهجوه: أقول ولم أملك سوابق دمعتي متى كان حكم الله في كرب النخل فرد عليه بأبيات منها: وأي نبي كان من غير قرية وهل تعرف الأحكام إلا مع الرسل؟ وبعضهم يرويها لخليد عينين، وهو من شعرائها أيضًا(8)، أما الفرزدق فلم تتح له فرصة هجاء عبد القيس؛ إذ سبقه زياد الأعجم بأبياته المشهورة التي يقول فيها: وما ترك الهاجون لي إن هجوتُه مصحًّا أراه في أديم الفرزدق فقال له: حسبك، هلم نتتارك، وفي رواية قال: (ليس لي إلى هجاء هؤلاء القوم من سبيل ما عاش هذا العبدي(9). في العصور المتأخرة ظهر شعراء كبار كابن المقرب العيوني، والسكوني العبدي، والحسن بن ثابت، ومنهم من كان همزة وصل بين مسقط رأسه القطيف، وبغداد في العراق كعلي بن الحسن بن إسماعيل؛ إمام علم العروض في وقته، وأمُّهِ أمِّ علي الرشيدة المعلمة، المقيمة في البصرة(10). وفي القرن العاشر الهجري يهاجر إلى العراق الشيخ إبراهيم القطيفي، فيدير - من هناك - معركة جدل فقهي مع الشيخ الكركي المقيم في إيران، وحين نصل مستهل العهد السعودي الراهن تتبلور العلاقة بين القطيف والعراق بسفر الشيخ حسن علي البدر إلى العراق ليقود المعركة ضد الإنكليز(11)، ممهدًا لثورة العشرين، وهذا له رسالة عنوانها: (دعوة الموحدين إلى حماية الدين)، ألفها داعيًا لمناصرة ليبيا ضد الغزو الإيطالي لها سنة 1329هـ، 1909م(12). العلاقات الثقافية المعاصرة معروف أن الحواضر تزخر بتنوع الأجناس والأعراق بسب الهجرات إليها، إما طلبًا للعمل، أو التجارة، أو الدراسة، أو الأمن، وتمتاز الحواضر الدينية مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة، بقدسية تضيف غرضًا آخر هو الحج والزيارة، كذلك هو العراق، فقد كان - منذ القديم - محجةً لطلاب العلم والزيارة، وهذه تحتم الإقامة الموقتة والدائمة، لذلك نرى كثيرًا من الأسر القطيفية والأحسائية والبحرانية منتشرة في العراق حتى إن إحدى نواحيه، وهي (سوق الشيوخ) بها حيٌّ يعرف (بحي القطافا)، أي حي أهل القطيف، وبعض تلك الاسر ما زالت إلى يوم الناس هذا متصله بجذورها في القطيف والأحساء والبحرين، كآل الفارس، وهي معروفة في العراق بالقطيفي، ومنها الدكتور عبد الحسين القطيفي، أحد علماء العراق في القانون الدولي، وحائز على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون في فرنسا، وشغل منصب مندوب العراق لدى الامم المتحدة، ثم منصب عميد كلية الحقوق بجامعة بغداد في الفترة 1973 - 1976. وفي عهد صدام حسين قام بسحب شهاداته، وجرده من منصبه؛ لأن سكرتيره العسكري علي العبيدي، لم يجتز امتحان المادة التي كان الدكتور القطيفي يتولى تدريسها(13). هذا نموذج واحد، أكتفي به هنا. ------------ (1) قصة الإنسان، جورج حنا، دار العلم للملايين، بيروت، ط 2، 1953م. ص: 14.. (2)ibid: 57 - 60. (3)المصدر نفسه، ص: 69. (4) مقدمة في آثار المملكة العربية السعودية، منشورات وزارة المعارف بالمملكة، وكالة الآثار والمتاحف، الرياض، ط 2، 1420هـ 1999م، ص: 94 – 106. (5)Looking for Dilmun, by Geffrey Bibby, Introduction by Carol Phillips. Stacey international, Londn. 1970 1996. (6) لؤلؤة البحرين، في الإجازات وتراجم رجال الحديث، الشيخ يوسف بن أحمد البحراني، حققه وعلق عليه السيد محمد صادق بحر العلوم، الناشر مؤسسة آهل البيت للطباعة والنشر، قم إيران، د. ت، ص: 27، مكتبة فخراوي، البحرين، الطبعة الأولى، 1429هـ، 2008م، ص: 26، وسنابس البحرين وعامل في تراثية السيد حسن العاملي، علوي الخباز، صحيفة الوسط.22 يوليو 2012م. (7) أنوار البدرين، في تراجم علماء القطيف والأحساء والبحرين، الشيخ علي ابن الشيخ حسن البلادي البحراني، مطبعة النعمان، النجف الأشرف، 1380هـ، 1960م، ص: 402 - 405 (8)سمط اللآلي في شرح أمالي القالي. أبو عبيد البكري، تحقيق عبد العزيز الميمني. دار الكتب العلمية. لم يذكر بلد الناشر ولا تاريخه. جـ 1/598. (9)الشعر والشعراء . مرجع سابق. ص: 283 – 284، وانظر الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني، الجزء الخامس عشر: أخبار زياد الأعجم ونسبه. (10)خريدة القصر وجريدة العصر، عماد الدين الأصفهاني (قسم شعراء العراق)، تحقيق بهجة الأثري، سلسلة التراث، وزارة الإعلام، مديرية الثقافة، العامة، مطبعة المجمع العلمي العراقي، بغداد، مجـ2، جـ 2/860، 867، مجـ2 جـ4/683- 690، وتكملة الخريدة، قسم العراق، ص: 851 - 867، ومعجم الأدباء، ياقوت بن عبد الله الحموي، دار إحياء التراث الأدبي، بيروت، الطبعة الأولى، 1408هـ، مجـ 7، جـ13/88- 89. (11)الشيخ حسن علي آل بدر القطيفي، تأليف فؤاد الأحمد،، مؤسسة البقيع لإحياء التراث، بيروت، 1412هـ، 1991م، ص: 120 - 121. (12)الشيخ حسن علي آل بدر القطيفي، تأليف فؤاد الأحمد،، مؤسسة البقيع لإحياء التراث، بيروت، 1412هـ، 1991م، ص: 82. (13) كلية الحقوق العراقية في العهود الجمهورية، أ. د. سيار الجميل، موقع بنت الرافدين، الرابط: https://bit.ly/2Z3t6XJ ومحمد الشاهد، السيرة الذاتية لـ د. عبد الحسين القطيفي، موقع على الإنترنت، رابط: HYPERLINK “https://bit.ly/3mZhX2c” https://bit.ly/3mZhX2c

مشاركة :