الجونة (مصر) - من بين مشكلات كثيرة تصاعدت في لبنان خلال السنوات القليلة الماضية، اختارت المخرجة منية عقل مشكلة النفايات للتعبير عن غضبها مما آل إليه حال بلدها. وبصيغة فنية رقيقة لاذعة في ذات الوقت، يتناول فيلمها (كوستا برافا، لبنان) قصة وليد الذي قرر ترك بيروت مع زوجته وابنتيه وأمه والعيش في الجبل حيث الطبيعة البكر والبعد عن الضوضاء والتلوث. لكن بين يوم وليلة فوجئت العائلة بعمال وآلات حفر تؤسس لمطمر نفايات جديد أمام منزلها مباشرة. يحاول وليد مقاومة الوضع الجديد بتوثيق ما يحدث من إزالة للأشجار وتلويث للبيئة بهدف رفع دعوى قضائية لوقف المشروع، لكن الزوجة تدرك في قرارة نفسها أن هذه المساعي لن تسفر عن شيء وتدعوه إلى العودة للمدينة حيث لم يعد هناك مفر من القبح والتلوث. ورويدا رويدا تدب الخلافات في العائلة خاصة مع انضمام أم وليد إلى صف زوجة ابنها وتدعم رغبتما في العودة للحياة السابقة، بينما تؤازر الابنة الصغرى أباها وتظل ترشق العمال بالحجارة كلما ظهر أحدهم أمام البيت. أما الابنة الكبرى فتقع في هوى مهندس المشروع وتحاول التقرب منه لكنه يخشى والدها وغضبه فيصدها، فتشعر الفتاة المراهقة بأنها بحاجة حقيقية إلى تكوين صداقات وحياة اجتماعية جديدة بعيدا عن العزلة التي تعيشها العائلة في الجبل. وبينما تعصف الخلافات باستقرار الأسرة تتوفى أم وليد وتأتي أخته من كولومبيا لحضور الجنازة لكنها تعود سريعا لعدم قدرتها على تحمل أوضاع البلد. وتزداد الأمور تعقيدا حين تقرر الزوجة حزم حقائبها والعودة إلى بيروت حيث كانت لها مسيرة ناجحة بمجال الموسيقى والغناء تركتها من أجل أسرتها. يبقى وليد وحده بالمنزل مع ابنته الصغرى اعتقادا منه أن هذه الأزمة ستمر وستعود زوجته وابنته الكبيرة مرة أخرى، لكن زمام المبادرة يأتي من الطفلة الصغيرة التي تنطلق خلسة للانضمام إلى أمها وأختها فيهرع الأب للحاق بهن بعدما أدرك أن الحل ليس في الهروب من مكان إلى مكان أبعد لكن في حل المشكلة من مصدرها هناك في العاصمة. الفيلم بطولة اللبنانية نادين لبكي والفلسطيني صالح بكري والممثلة الشابة ناديا شربل والتوأمتين سيانا وجيانا رستوم. وبعدما حصل الفيلم أثناء مرحلة الإعداد والتطوير على منحة إنتاجية من مهرجان الجونة السينمائي، عاد في الدورة الخامسة ليشارك بالمسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة. وقالت المخرجة منية عقل بعد عرض الفيلم إنها تعاونت مع عدة مؤسسات وجمعيات أهلية بمجال الحفاظ على البيئة في لبنان لإنتاجه على أدق وأكمل وجه وجرى تصوير المشاهد بالكامل في منطقة الشوف. وأضافت "جميع المشاهد صورناها في الجبل واستعنت بفريق ممتاز في مجال المؤثرات البصرية من الأردن والدنمرك وفرنسا ساعدنا على صنع مكب نفايات ضخم على الشاشة دون أن نضر بالبيئة أو نقترب من شجرة واحدة، لأن هدف الفيلم بالأساس الحفاظ على البيئة". واستطردت "أتمنى بالطبع أن يسهم الفيلم في زيادة الوعي بقضايا البيئة لكني لست حالمة لدرجة الاعتقاد بأن فيلمي سيغير العالم. السينما لا تغير العالم، السينما محرك فعال وكشاف ضوء. الناس هي التي يجب أن تغير حياتها للأحسن". وأشارت إلى أن الفيلم أبرم اتفاقات مع مؤسسات ناشطة بمجال البيئة لزرع شجرة في لبنان مقابل كل تذكرة مشاهدة. وينافس الفيلم أيضا في مهرجان الجونة على جائزة (النجمة الخضراء) المخصصة للأفلام المعنية بقضايا البيئة والحياة البرية.
مشاركة :