تعددت وامتدت آثار الوباء الحالي لتشمل تقريباً جميع جوانب الحياة الحديثة، بما في ذلك نظم الرعاية الصحية حول العالم، والتي شهدت تراجعاً في جميع مستويات الأداء، وخصوصاً على صعيد هدف تحقيق الرعاية الصحية الشاملة لجميع قطاعات المجتمع وفئاته. فنتيجة لإعادة توجيه المصادر الطبية والصحية المتوافرة لمجابهة الوباء، تعرضت الخدمات الصحية الأساسية لاضطراب، وانقطاع تام أحياناً لفترات ليست بالقصيرة، كما تراكمت العوائق المقيدة والمانعة أحياناً من الحصول على تلك الخدمات، مثل فترات منع التجول والحجر الصحي، والخوف من التعرض للعدوى، مما جعل الكثيرين ينأون بأنفسهم عن الأماكن المزدحمة، مثل مؤسسات الرعاية الصحية، وفي الكثير من الأحيان تراجعت قدرة الأفراد والأسر على دفع تكاليف الرعاية الصحية، نتيجة تراجع نشاطات التجارة والأعمال، أو خسارة الوظيفة والبطالة. هذا الوضع برمته، كان نتيجة عدم توظيف الدروس المستفادة من الأوبئة السابقة، حيث اتصفت استجابة غالبية دول العالم بردود الأفعال الآنية. فمن دون تأسيس ودعم وتقوية مسبقة، أخذت نظم الرعاية الصحية حول العالم على حين غرة، رغم تعالي أصوات الخبراء والمتخصصون منذ سنوات عدة، بأن وباءً دولياً من مرض معدٍ غير معروف مسبقاً، قادم عن قريب لا محال، بل أصبح بالفعل على الأبواب. وللأسف، سدد الوباء الحالي ضربة موجعة للفئات الأضعف في المجتمعات الفقيرة، والأشد حاجة لاستمرارية نظم الرعاية الصحية، بل فاقم وبشكل أكبر من فجوة العدالة المفقودة في توزيع وتوفر الخدمات الصحية بين طبقات وفئات المجتمعات. وهو ما يجعل من الضروري والمهم منذ اللحظة، أن تستغل دول وحكومات العالم كل فرصة تتاح في المستقبل، لبناء نظم رعاية صحية أكثر استدامة، وأكثر عدالة ومساواة، وضمن النسيج المجتمعي ذاته. هذا الهدف يمكن تحقيقه من خلال توصيات عدة، تضمنتها ورقة عمل صدرت الأسبوع الماضي عن منظمة الصحة العالمية، وحملت عنوان: «بناء نظم صحية أكثر مرونة لتحقيق هدف توفير الرعاية الصحية الشاملة، والأمن الصحي، خلال وباء (كوفيد - 19) وفي مرحلة ما بعد الوباء». ومن بين التوصيات السبع التي تضمنتها الورقة، نذكر: 1 - استغلال الاستجابة العالمية الحالية، في دعم وتقوية النظم الصحية والاستعداد لمواجهة الأوبئة. 2 - الاستثمار في خدمات الصحة العامة الأساسية، وخصوصاً تلك المعنية بإدارة المخاطر الطارئة. 3 - بناء قاعدة قوية من خدمات الرعاية الصحية الأولية. 4 - الاستثمار في مأسسة الميكانيزمات الكفيلة بتضافر وتضامن جميع قطاعات وفئات المجتمع. 5 - خلق وتشجيع بيئة مناسبة للأبحاث، والابتكار والإبداع. 6 - زيادة الاستثمار، على الصعيدين الوطني والدولي، في أساسات نظم الرعاية الصحية. 7 - مجابهة فقدان العادلة الصحية بين فئات المجتمع، وتخفيف آثار وتبعات «كوفيد - 19» على الأشخاص المهمشين والأكثر ضعفاً. * كاتب متخصص في الشؤون العلمية والطبية.
مشاركة :