لأول مرة في التاريخ، أصبح أكثر من نصف أفراد الجنس البشري يقطنون المدن، وهي نسبة مرشحة للزيادة إلى 70%، أي أكثر من اثنين من كل ثلاثة، بحلول عام 2050. هذه الزيادة المستمرة باطراد في أعداد قاطني المدن تترافق بفرص واعدة، وتلازمها في ذات الوقت تحدياتٌ جسامٌ، زادَت مِن ثقلها ووقعها التغيراتُ المناخيةُ والوباءُ الحالي، وبالتحديد على صعيد تفاقم الظلم وفقدان العدالة الاجتماعية، كما كشفت مَواطن الضعف في نظم الرعاية الصحية، والتي أصبحت تئن تحت الضغوط التي تتعرض لها حالياً، وخصوصاً في المدن. في العديد من المدن حول العالم، والتي يقطنها الملايين، وأحياناً عشرات الملايين، لا يزال هناك نقص في السكن المناسب للجميع، وفي شبكات المواصلات الفعالة، وفي نظم صرف صحي وإدارة المخلفات تتمتع بالكفاءة. أضف إلى ذلك نقص الأماكن المتاحة للمشي والتنزه أو ممارسة رياضة ركوب الدراجات، وغيرها من أنواع الأنشطة الرياضية الأخرى.. مما يجعل هذه المدن مراكزَ وبؤرٍ للأمراض المزمنة، وعاملاً مساعداً يسرِّع التغيرات المناخية السلبية. هذا الوضع برمته، كان محور أنشطة وفعاليات اليوم العالمي للمدن لعام 2021، وهو الفعالية التي ترعاها الأمم المتحدة، في آخر أيام شهر أكتوبر من كل عام منذ 2014، ويشرف عليها برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية. وتشارك في إحياء هذا اليوم العديد من حكومات دول العالم والمنظمات الدولية النشطة في بناء مدن صحية أكثر استدامةً، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني، وكوكبة من الشركاء، بهدف زيادة الوعي العام بالبيئة الحضرية، وتأثيرها على صحة الإنسان، وعلى مناخ الكوكب بوجه عام. ويتم في كل عام اختيار شعار ومدينة خلال اليوم العالمي للمدن، إما لإلقاء الضوء على قصص النجاح الحضري، أو للتوعية بالتحديات التي تتولد من النمو العمراني المستمر. ولهذا العام، تم اختيار مدينة الأقصر في جنوب مصر لكي تكون مركز الفعاليات، وبحضور رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي كضيف شرف، بينما كان شعار هذه الفعاليات هو تأقلم وتكيف المدن بحيث تظل بيئةً صالحةً للمعيشة المستدامة، في ظل التغيرات المناخية الحالية والمستقبلية. ورغم تحديات الوباء الحالي، فإنه قد يشكِّل فرصةً لإعادة تحديد المعايير الصحية للحياة في المدن، بحيث يؤخذ في الاعتبار ضرورة تشريع السياسات الهادفة إلى رفع مستوى صحة المجتمع ككل، ومجابهة الفروقات في نوعية الخدمات الصحية بين فئات المجتمع، مع مكافحة التلوث والتدهور البيئي الذي تعاني منه المدن، لما له من تبعات فادحة على زيادة أعداد المصابين والوفيات في زمن الأوبئة. *كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية
مشاركة :