بدا أن الرئيس التركي اختار وقف التصعيد الإثنين بعد أن هدد بطرد 10 سفراء غربيين دعوا للإفراج عن الناشط المدني عثمان كافالا المسجون منذ 4 سنوات دون صدور إدانة في حقه. وأكدت معظم السفارات المعنية في بيانات الإثنين على موقع تويتر على “احترام اتفاقية فيينا والمادة 41 منها” التي تضع إطارا للعلاقات الدبلوماسية وتحظر أي تدخل في الشؤون الداخلية للبلد المضيف. و”رحب” الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالبيان، حسب ما أوردت الوكالة الرسمية نقلا عن “مصادر في الرئاسة”، تزامنا مع عقد الحكومة اجتماعا. وسرعان ما قادت إشارات التهدئة إلى ارتفاع سعر صرف الليرة الذي كان قد سجّل صباحا تراجعا جديدا. وكان سفراء الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وفنلندا والدنمارك وألمانيا وهولندا ونيوزيلندا والنرويج والسويد، قد أصدروا بيانا مشتركا دعوا فيه للإفراج عن الناشط المدني عثمان كافالا المسجون منذ 4 سنوات دون صدور حكم في حقه. ويتهم رجل الأعمال والناشط الخيري الذي صار عدوا لدودا للسلطة، بالسعي لزعزعة استقرار تركيا. وأعلن الرئيس أردوغان السبت أنه أمر بطرد الدبلوماسيين العشرة “بأسرع ما يمكن”. لكن لم يصل أي إخطار رسمي إلى الدول المعنية حتى نهاية الأسبوع. جاء التهديد قبيل حدثين دوليين يشارك فيهما إردوغان نهاية الأسبوع، الأول هو قمة مجموعة العشرين السبت في روما، ثم مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في أسكتلندا. وقال أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة ديوك الأميركية تيمور كوران لوكالة فرانس برس إن “التوقيت مروع إذا كان يريد إصلاح علاقاته مع حلفائه الأوروبيين والأمريكيين”. وأضاف: “كل شيء يشير إلى أن محيطه، ابتداء من وزير خارجيته، يحاولون ثنيه” عن القرار. تشهد علاقات أنقرة فتورا خاصة مع واشنطن في ما يتعلق بعقود شراء طائرات مقاتلة من طراز “إف 35” وطلب قطع غيار لطائرات “إف 16″، فضلا عن إقدامها على شراء نظام دفاع جوي روسي من طراز “إس 400” رغم عضويتها في حلف شمال الأطلسي (الناتو). لكن يرى مراقبون أن الخطوة تهدف أساسا إلى “حرف الأنظار” عن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا مع اقتراب معدل التضخم الرسمي من 20 % والتدهور الحاد في سعر صرف الليرة. أثر التهديد الذي بدأ الخميس وتكرر السبت على سعر صرف الليرة مع تسجيلها أدنى مستوى لها على الإطلاق صباح الإثنين، عند أكثر من 9,80 ليرة للدولار عند افتتاح التداول قبل أن يستقر في حدود 9,73، أي بانخفاض قدره 1,3 % مقابل الدولار. وقال تيموثي آش المحلل في “بلوباي أسيت مانجمنت” إن طرد أنقرة للسفراء سيؤدي في حال تحققه إلى “تقلص تجارة الدول العشر مع نظام أردوغان وسيضر ذلك بالاستثمارات في تركيا”. أكد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف حسني عبيدي لفرانس برس أن “القرار يتعارض مع مصالح تركيا لأنه يستهدف دولا مهمة لاقتصادها ولمكانتها الدولية”، لكنه أوضح أن رئيس الدولة يود التذكير بأن تركيا دولة مستقلة جديرة بالاحترام. قال أردوغان السبت إن الدبلوماسيين “يجب أن يعرفوا ويفهموا تركيا”، مضيفا أنهم “يفتقرون إلى اللياقة”. ودعا السفراء العشرة في بيانهم إلى “تسوية عادلة وسريعة لقضية” عثمان كافالا الموقوف منذ 2019 دون صدور حكم في حقه. واستدعت الخارجية التركية السفراء غداة نشر البيان، واعتبرت أن ما أقدموا عليه “غير مقبول”، وكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قد أمرت في كانون الأول/ديسمبر “بالإفراج الفوري” عن كافالا. لكن محكمة في إسطنبول أمرت في مطلع أكتوبر / تشرين الأول بالإبقاء على عثمان كافالا (64 عاما) موقوفا “لغياب عناصر جديدة للإفراج عنه”. وسيعرض الناشط الذي لطالما نفى التهم الموجهة إليه، أمام المحكمة مرة أخرى في 26 نوفمبر / تشرين الثاني. واعتبر حسني عبيدي أن الرئيس التركي يخاطب قبل كل شيء قاعدته الانتخابية والقوميين الذين “يتبنون الاتهامات التآمرية لرئيس الدولة”. وأردف “لست متأكدا من أن كافالا استفاد من الاهتمام الإعلامي”. وخلص تيمور كوران إلى أن “أردوغان لا يستطيع الإفراج عن كافالا الآن، فذلك من شأنه أن يجعله يبدو ضعيفا، لكنه بصدد صناعة بطل له مكانة دولية، أشبه بنافالني تركي”.
مشاركة :