تحقيق إخباري : التحطيب مهنة تنتعش في سوريا مع نقص الوقود الحاصل فيها

  • 10/26/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

قبل نشوب الحرب في سوريا كانت مهنة التحطيب أو العمل في الحطب محدودة الانتشار ، ومن يعمل بها قلة قليلة من الناس ، وكان العاملون بها يصنعون بعض الأشكال أو التحف الفنية أو الأدوات المنزلية البسيطة ، وكان المزارعون في الأرياف والمناطق الباردة في المرتفعات يستخدمون الحطب للتدفئة من خلال ما يحصلون عليه من أرضهم وأشجارهم التي تتعرض للتلف بسبب عوامل الطبيعة أو بسبب تقدمها بالعمر وعدم قدرتها على انتاج الثمار اللازمة . كما أن بعض ميسوري الحال ، قبل الحرب في سوريا كانوا يستخدمون الحطب للتدفئة كنوع من التفاخر في منازلهم الفخمة المترامية في المناطق البعيدة عن المدينة ، وفي المصايف التي كان يرتادها السوريون آنذاك ، وبقيت تجارة الحطب محدودة الانتشار، ولم تكن تجارة رابحة ومجدية قبل عام 2011 أي بعد نشوب الاحتجاجات في سوريا واستمرارها لأكثر من عشر سنوات ، ذاق خلالها المواطن السوري أشكالا مختلفة من العذاب في تأمين ما يلزمه لمعيشته ومنها التدفئة لمنزله . ولم تكد تمضي ثلاث سنوات على بدء الحرب المدمرة في سوريا حتى بدأت تطفو على السطح عدة أزمات متتالية أربكت حياة المواطنين السوريين ، ومنها نقص حاد في وقود التدفئة والغاز المنزلي وتقنين جائر للتيار الكهربائي ، وظروف إنسانية صعبة ، كلها مجتمعة دفعت بالسوريين إلى البحث عن بدائل لحل هذه الأزمات التي أرهقت كاهلهم . ويقول الشاب محمد توفيق جحا البالغ من العمر (24 عاما) أثناء وجوده بمعمله بمدينة جرمانا بريف دمشق الشرقي لوكالة أنباء (شينخوا) إن " مهنة التحطيب أو العمل بالحطب هي مهنة الأجداد ونتوارثها عن الأباء "، لافتا إلى أن هذه المهنة غابت عن الأنظار فترة من الزمن لتوفر وقود التدفئة المازوت والكهرباء . وتابع يقول إن " شراء الحطب كان يقتصر على فئة من الناس وهي الميسورة الحال ، وترغب بالتدفئة على الحطب كنوع من التفاخر ، والتمتع بدفء الحطب في منازلهم الكبيرة في الأرياف البعيدة ". وبين جحا أن قبل الأزمة كان عملهم يقتصر على صنع بعض الديكورات الخشبية في المنازل ، وصناعة الطبليات أو الصناديق الخشبية الكبيرة المعدة للتصدير الخارجي ، إلا أن الحال اختلف مع نشوب الحرب وتفاقم الأزمات . وقال جحا خلال سنوات الحرب، وبسبب شح مادة المازوت وانقطاع التيار الكهربائي المستمر ولفترات طويلة ، بدأ السوريون في استخدام الحطب بغية تدفئة بيوتهم كبديل للوقود والكهرباء ولرخص ثمنه . وتابع يقول " منذ عام 2013 وبعد أن تردى وضع الكهرباء وخاصة في الشتاء، راح السوريون رويدا رويدا باتجاه استخدام الحطب كمصدر للتدفئة ، وتأقلموا عليه خاصة وأن التعامل مع الحطب يحتاج إلى وقت ، ولكن مع الوقت أصبح أمرا اعتياديا ولا يمكن لأي شخص استخدم الحطب في التدفئة أن يستغني عنه لأنه ينشر دفء كبير في البيوت ". وأوضح جحا أن استخدام الحطب لم يقتصر على البيوت للتدفئة فقط ، وإنما انتشر ليشمل المحلات التجارية والمطاعم والأفران ، فكل هؤلاء باتوا يستخدمون الحطب كبديل لمادة المازوت ، لتوفرها أولا ، وجدواها الاقتصادية بالنسبة لهم . وقال إن " الناس بدأوا باستخدام الحطب لتسخين المياه في المراجل الكبيرة ، واكتشفوا أنه أسرع في تسخين المياه ويعطي نتائج كبيرة وفيها توفير ، كما أن الأفران وبعض محلات الشاورما والمطاعم استغنت عن الغاز وبدأت باستخدام الحطب ، لأن الطهي على الحطب صحي ويعطي نكهة طيبة للطعام" . وأضاف أن سعر الحطب أرخص واستخدامه صحي ، والغرفة تحتاج لأكثر من ساعة للتدفئة بواسطة المازوت، بينما الحطب يمكن أن يستغرق 10 دقائق لتصبح الغرفة دافئة . وبين جحا أنه يقوم بقص الأشجار من البساتين اليابسة والتي تعرضت للمرض أو من خلال عملية تقليم الأشجار أو قص الكبير منها في العمر من أجل زراعة أشجار أخرى مكانها ، مشيرا إلى أنه لا يقوم بقص جائر للأشجار المنتشرة في الأحراش الطبيعية . وقال إن مهنة التحطيب تحتاج إلى الصبر و البراعة في معرفة أنواع الحطب حتى يمكن قصه والتعامل معه . وفي محافظة السويداء ( جنوب سوريا ) والتي تبعد عن العاصمة دمشق حوالي 90 كليو مترا وترتفع عن سطح البحر حوالي 1200 متر تقريبا ، لجأ الناس فيها إلى التدفئة على الحطب منذ عدة سنوات ، وبات الغالبية منهم يستخدمه للتدفئة ، وباتت تجارة الحطب مهنة رائجة أو منتعشة خلال السنوات الأخيرة من عمر الحرب في سوريا . وقال أحد تجار الحطب ، مفضلا عدم ذكر اسمه لوكالة أنباء (شينخوا) إن " استخدام الحطب للتدفئة في السويداء كان موجودا منذ زمن ولكن على نطاق ضيق ، ولكن مع شح الوقود واشتداد البرد في هذه المحافظة التي تشتهر بالشتاء البارد والمثلج ، تحول الناس من التدفئة على المازوت والكهرباء إلى الحطب ، والمواطنون يشترون الحطب بشكل كثيف هذا العام . وأشار إلى أن سعر طن الحطب يتراوح ما بين 600 الف ليرة سورية إلى 700 الف ليرة سورية أي ما يعادل 250 دولارا تقريبا " ، موضحا أن سعره يعود لنوع الحطب المستخدم وسماكته . وبين أن هناك بعض تجار الأزمات والسوق السوداء الذين يقومون بقطع الأشجار في الغابات الطبيعية المنتشرة في السويداء ، بغية بيعه للناس وبأسعار غالية ، مبينا أنه كلما اشتد البرد واقترب الشتاء يرتفع سعر طن الحطب الذي لا يكفي لأكثر من 20 يوما تقريبا في المناطق البادرة . وأوضح التاجر السوري أن التدفئة على الحطب أفضل في المناطق البادرة لانها تنشر الدفء بسرعة ، مؤكدا أن بيع الحطب انتعش بسبب قلة مصادر الطاقة والوقود المستخدم في التدفئة . ويشار إلى أن أسعار الحطب شهدت ارتفاعا كبيرا في الآونة الأخيرة في الأسواق السورية وسط إقبال الناس المتزايد عليها نتيجة ارتفاع أسعار المازوت وعدم توفره، وذلك مع اقتراب موسم الشتاء في ظل غياب أي حلول تلوح في الأفق بالنسبة لأزمة المحروقات في البلاد. ووصل سعر طن الحطب المخصص للتدفئة في أسواق العاصمة دمشق رقماً قياسيا غير مسبوق، حيث وصل إلى نحو 600 ألف ليرة سورية ، بحسب وسائل إعلام محلية سورية . وكانت الحكومة السورية قد قررت في العاشر من شهر يوليو/ تموز الماضي رفع أسعار المازوت المدعوم لكافة القطاعات العامة والخاصة بما فيها المؤسسة السورية للمخابز ومخابز القطاع الخاص. وبموجب ذلك القرار وصل سعر ليتر المازوت إلى نحو 500 ليرة سورية، وذلك إلى جانب قرار نص على رفع سعر البنزين إلى نحو 3 آلاف ليرة سورية لليتر الواحد بعد أن تم رفع سعره 3 مرات خلال عام 2021.

مشاركة :