تحقيق إخباري : التنجيد العربي مهنة تراثية قديمة تنتعش بعد ارتفاع أسعار المفروشات

  • 3/8/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

السويداء ـ سوريا 7 مارس 2020 ( شينخوا) أبو حسني رجل ستيني بالعمر ، يواظب على عمله في مهنة التنجيد ، بكثير من الصبر والتأني ، ليكسب رزقه بالحلال في ظل الازمة التي عصفت بالبلاد ، منذ حوالي 9 سنوات ، والتي مازالت اعماله تزين البيوت حتى هذه اللحظة . ورى ابو حسني في محله المتواضع بوسط مدينة السويداء لوكالة ( شينخوا) بدمشق اليوم ( السبت )، وعبر أدواته البسيطة التي تناثرت من حوله ، والبسمة ترتسم على وجهه قائلا إن "مهنة التنجيد العربي مهنة تحتاج الى القوة والصبر في العمل ولكنها تسبب الكثير من الامراض والاوجاع في الظهر والركبتين والرئتين بسبب الغبار الذي يتصاعد من الصوف والقطن عند ندفه وضربه بقضيب من الفولاذ وهذا ما أدى الى اصابة العشرات من أرباب المهنة بأمراض الربو والرئة والقلب " . والتنجيد العربي حرفة من الحرف اليدوية القديمة التي يتوارثها الابناء عن الأجداد ، ولها باع طويل بمحافظة السويداء وأثر واضح بكل بيوتها العتيقة التي تجمع بين حرفية الصنعة وتجليات الصانع المبدع بإضافة شيئا من روحه وابداعه على المنتج الذي يقوم عليه . وتابع أبو حسني حديثه عن مهنته وهو جاثيا على ركبتيه وأمامه كومة من القطن المفرودة على القماش، قائلا " أعمل في التنجيد منذ عام 1963 هذه المهنة تعلمتها من أبي وعملت معه ، وها نحن الآن نعمل أنا وأولادي فقد تعلموها مني على الرغم من صعوبتها ، ونحن لا نعمل إلا بها ، فليس لدينا صنعة أخرى ، فأولادي إضافة الى دراستهم العليا في الجامعات يعملون معي فهي لا تؤثر على دراستهم . "التنجيد بين الماضي والحاضر" كانت هذه المهنة أساسية فيما مضى من الوقت ، ولا يستطيع أحدا الاستغناء عنها ، أما الآن أصبحت تلك المهنة تراثا من الماضي " فالمنجد" كان له شأنا كبيرا ، ولا يتم أي فرح ، وأي تجهيز للبيوت إلا من خلاله ، فكان له دور كبير وأساسي . وبالرغم من أن هذه المهنة كانت مهددة بالانقراض بسبب انتشار مصانع التنجيد الآلية ، التي طغت على مهنة التنجيد ، إلا أن هذه المهنة انتعشت من جديد ، وعادت لها الروح من جديد ، بعد أن ارتفعت أسعار تلك المفروشات وبات صعبا على معظم السوريين شراء تلك المفروشات المصنعة آليا، ما دفعهم للتوجه إلى أرباب تلك الصنعة . إضافة إلى أن الكثير من الأجيال الصاعدة لا تعرف عن تلك المهنة اليدوية الرائدة ، شيئا ولا عن مكانتها الاجتماعية دورها في حياة آبائهم وأجدادهم . ومضى أبو حسني ، وهو يضع الخيط في الأبرة ، ويده ترتجف في دلالة على تقدمه بالسن " صحيح أن هذه المهنة في الماضي كانت تأتي بالمال الوفير ، ولا يخلو بيت من التنجيد العربي من لحف وفرش ووسائد ومراتب ، فكانت مهنة أساسية ، ولم نتوقف أبدا عن العمل آنذاك ، وكل الناس يقبلون عليها لأنه لا يوجد بديل ، أما الآن الحمد لله بالرغم من غزو المفروشات الجاهزة للسوق والاسفنج الصناعي والحرامات الصوفية الجميلة ، إلا ان لهذه المهنة روادها ومحبيها ، أو لهذه اللحف والفرشات الصوفية أو المصنوعة من القطن، من يفضلها ويرغبها ، وما زال الكثير منهم يفضلونها على الصناعات الحديثة " ، لافتا " نحن لازلنا نعمل حتى هذه اللحظة ، وتوفر لنا دخلا مقبولا " . ويرى أبو حسني ، الذي راح يشك أبرته راسما بعض الزخارف الجميلة على سطح أحد الأقمشة ، أن المنتجات القطنية للمراتب والاغطية المصنوعة يدويا هي الأفضل صحيا والأكثر تحملا وذلك من خلال تجارب كثيرين الذين يشكون من أمراض في العظام والمفاصل ، مؤكدا أن العمر الافتراضي لهذه المنتجات الحديثة لا يتعدى سنوات قليلة ، في حين أن المصنعة يدويا تعيش سنوات طويلة قد تمتد إلى 30 عاما ، وأن المراتب الجاهزة في حال فقدان صلاحيتها يتم رميها في الحاويات ، في حين أن الأخرى يعاد "تنجيدها " مرة أخرى . ويضيف الرجل الستيني إن " غلاء المفروشات الجاهزة في هذه الاوقات أيضا لعب دورا كبيرا في إقبال الناس على التنجيد اليدوي لأن تكلفته قليلة مقارنة مع الجاهز . "سر المهنة " في كل مهنة أو حرفة يدوية لابد من وجود أسرار لها ، وأسرار المهنة يملكها شيخ الكار ويقوم بتوريثها إلى أحد من أولاده أو إلى شخص يعمل معه ، ويرغب في تعلمها ويبقى سنوات وسنوات تحت يده حتى يصبح "معلما " . وأبو حسني شيخ المهنة الذي أخذ السر من أبيه ، وقام بدوره ببثه إلى أولاده ، قال إن " الإخلاص والصدق هو سر نجاح المهنة بالإضافة إلى إتقان العمل ، وتقديم منتج جيد إلى الزبون " ، لافتا إلى أن الاستمرارية في عمله كمنجد جاءت من خلال جودة منتجه وسمعته الطيبة . وعن أدوات التنجيد قال الرجل وهو يغرز الأبرة في الفراش ويرفع أكمام قميصه ويمسح وجهه بيديه " أدوات التنجيد هي القوس وهي أداة خشبية مقوسة يتراوح طولها بين متر إلى متر ونصف مربوطة بوتر غليظ ، ومطرقة وهي أداة خشبية قصيرة بنهاية عريضة ولها مقبض بطول 15 سم ، عصا مأخوذ من شجر الرمان أو مصنوعا من المعدن ، وخيوطا بيضاء وأبرة كبيرة ، ومشرطا حادا . "التنجيد مهنة تراثية متجذرة في عمق التاريخ " وتسأل أبو حسني من قال إن مهنة التنجيد العربي مهددة بالزوال ؟ فهي المهنة القديمة الجديدة التي تتمثل بتجديد المفروشات الشعبية المكونة من القطن أو الصوف والتي لاتزال حاضرة في منازل الكثيرين من المواطنين ، ولها مكانتها في حياة الفلاحين وأبناء الريف والكثير من الأسر يتوارثوها وهي في حالات كثيرة تكتب في وصية المتوفي وتخصص لهذا الولد أو ذاك وتحتسب كبقية الممتلكات ولايزال الكثير من المواطنين يحتفظون فيها كتحفة تراثية لها مدلولاتها ورمزيتها العائلية في حين أن البعض لا يعرف النوم والراحة سوى عليها رغم تطور المفروشات الحديثة . ومن جانبه اعتبر أبو حسان ( 58 عاما ) أن مهنة التنجيد مهنة متجددة ، وهي قديمة حديثة ، ومازالت تحظى باهتمام الكثير من الاسر ، مشيرا إلى أنه يتعامل مع المنجد أبو حسني منذ سنوات طويلة وأن معظم محتويات بيته من المفروشات من صنع يديه . وقال أبو حسان ، أثناء حضوره لتجديد بعض الفرشات للأسرة في منزله إن " العائلة لا ترتاح إلا عبر الفرش التي يصنعها المنجد " ، مشيرا إلى أنها صحية ومريحة . بدورها رأت المواطنة سناء أن غلاء أسعار المفروشات الجاهزة جعلت الكثير من الناس للعودة إلى التنجيد العربي ، مؤكدة ان أسعارها مناسبة وبنفس الوقت مريحة ، وليس لها عمر زمني محدد . وقالت إنها بدلت بعض الفرشات الجاهزة التي اشترتها قبل سنوات ، واستعاضت عنها بالفرشات المصنوعة يدويا عبر المنجد .

مشاركة :