حكايات الصيد الآحادية - نجوى هاشم

  • 11/3/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

يشتكي لك ويفتح كل روابط البدايات والنهايات.. وماعليك إلا أن تستمع له بإيجاب.. وبهدوء.. وإنصات كامل.. يفيض بما لديه.. سلباً أو إيجاباً.. وأنت لابد أن تفيض بوقتك متنبهاً له بكامل حواسك.. أحياناً المستمع لا يثير التساؤلات.. وهذا يرتبط بشخصيته بالدرجة الأولى.. فقط يكتفي بالاستماع دون أن يذهب بفكره بعيداً ليحلل ما يسمعه.. خاصة إن كان المتحدث مسيطراً وقادراً على نقل صورة ورسمها لك بحرفية رغم أنك لم ترها.. ومع ذلك يحاول أن يصدّرها لك بإحساسه وبسطوته.. وبقوة نقله لها.. وعليك فقط أن تُصادق عليها وتُعجب بتفاصيلها.. مأسوراً بالوصف الدقيق.. وبالشرح الذي وصلك.. دون أن تراه.. وبالتالي تشكّل لديك حكماً وإن اعتبرته نافذاً إلا انه يعتبر ناقصاً أو بتعبير أدق منقوصاً كونك استمعت له من طرف واحد وليس طرفين.. وهذا الطرف استمالك بوجهة نظره المسيطرة واستغل عدم قدرتك على البحث أو التساؤل ربما لأنك تثق به.. وأحياناً ترى أنه ليس من المهم أن تبحث عن صورة أخرى غير التي رأيتها أو استمعت لشرحها..! يقول أحد الحكماء.. إذاجاءك أحدهم يشتكي أن عينه قد فقئت من قبل شخص آخر فلا تحكم له حتى ترى الشخص الآخر المُدّعى عليه فلربما فقئت عيناه الاثنتين.. وهو ما يؤكد أنه على الشخص أن يرى طرفي النزاع وأن يستمع لكل منهما من أجل أن يحكم حكماً عادلاً.. ولا يسقط تحت تأثير أحدهم إن وصل إليه منفرداً.. هذا فيما يتعلق بالأحكام والنزاعات بين طرفين.. ولكن ماذا عن ما جرى بين طرفين التزم أحدهما الصمت والآخر هو من تولى زمام الحديث أو نقل الصورة كما رآها.. أو كما تمنى أن تكون.. أو كما ينبغي أن تكون وأن يستمع لها الآخر.. وتصل إليه منمقة مغلفة بتفاصيل لا يمكن أن تتأكد منها..! مثل إفريقي جميل يقول "طالما أنّ الأسود لا تملك مؤرخين خاصين لها.. ستظل حكايات الصيد تمجد الصيادين وحدهم"، فالأسد بجبروته وقوته وفخامة حضوره يكتفي بصمته حتى وإن تمكن منه صياد بسيط وغير بارع.. ولكن هذا الصياد سيظل يحكي بطولته في تمكنه من الأسد حتى وإن كانت الحكاية لا تخرج عن صدفة أو ضربة حظ.. ولن تستطيع أن تسمع من الأسد أو من يحتفي بكتابة تاريخه ماذا فعل للصياد وكيف انتصر عليه.. وستكتفي بحكايات الصيادين رغم أنّ كثيراً منها مبالغ فيه وغير حقيقي.. لكن لا تملك الخيار لتغييره أو القفز عليه.. وستكتفي إن كنت مدمناً للشك بالتشكيك فيه.. وسترضخ مرغماً لما سمعته مسجلا ًدون أن تتأمله بدقة التصديق..!! فكرة الصياد هي فكرة الخزانة المغلقة والتي لا يعرف مابداخلها إلا اثنان.. ومع ذلك كل واحد يفسر مابها حسب حاجته وحسب رؤيته وحسب دواخله وحكمه على الأشياء.. ولكنْ هناك طرف غائب لا يتحدث.. ولا يعنيه أن يعرف الآخر.. ربما لأنّ الظروف لم تسمح له بالحديث.. وأحياناً لأنه لا يعنيه أن يعرف الآخر.. ولكنْ هناك طرف أُتيحت له الفرص ليقول كل شيء.. ويتحدث عن كل شيء.. والأسوأ أن يفرض على الآخرين التصديق لما يقوله.. ولما يعتبره صحيحاً من وجهة نظره.. هي الزوايا كلٌ يختار زاويته بطريقته.. وكل يختار الزاوية التي تناسبه ليقف داخلها ويصدّر ما يريد.. سواء كان حقيقياً أو متخيلا ً.. أو غريباً.. وهنا لا تبحث عما يثير التساؤل لأنه سيجهدك.. فشخص من زاويته يرسل لك ما يتمناه وليس ماحصل فعلياً.. يزايد ويضيف ويفيض بما ليس موجوداً.. وآخر ينقل الصورة من زاويته الثقافية والفكرية والنفسية والعاطفية بأحكامه ورؤاه.. وربما تكون سليمة من زاويته لكن ليست كاملة الحكم من زوايا متعددة.. ومن زاوية الطرف الآخر..!! في المقابل عليك كمتلقٍ أن تختار زاوية مشاهدتك أو استماعك بشكل.. وأن تكون قادراً على التمييز بين ما تستمع له وبين ماهو واقع فعلياً.. بين ما يمكن أن يكون وبين ما كان فعلاً.. والفرق بين وجهة النظر وبين الحقيقة..! افتح نوافذك للاستماع ولكن حدد طاقاتك في هذا المدى.. ولماذا يجب أن تستمع وكيف..؟.. ودائماً فكّر في الطرف الآخر.. الغائب أو غير الموجود.. والذي ترك مكانه للآخر محمياً بما لديه دون أي قدرة على الدفاع عن نفسه أو طرح ما لديه.. هي صورة الحياة الدائمة حديث لم يستكمل.. ووجه غائب لا يقول مالديه ويكتفى بمن حضر..!!!

مشاركة :