ليس بمقدوري أن أتحسب للطوارئ.. أو أهرب من ذلك الحلم الذي تتجانس أوتاره.. ويغرقني في تفاصيله..! ثمة قاسم مشترك بين الأفكار والأحلام.. وذلك الواقع بإيقاعه البطيء أحياناً..! من ضفة إلى ضفة نحرث في الماء.. وكأنه حياة التيه التي على السفينة أن تمضي فيها.. وتغيب ولا تعود..! تلك السفن العدائية.. والتي شكّلت إرثاً مؤلماً لنساء مدن البحر منذ سنوات طويلة.. عندما ارتبط رزق الرجال بالبحر وما يعود به! يذهب الرجل للصيد ويغيب لأشهر باحثاً عن الرزق.. وتلك المرأة تظل تنتظر بأحلامها وخوفها وآلامها المكبوتة.. وأوجاعها.. وأشواقها التي لا تستطيع أن تصرّح بها.. تنتظر عودة رجل غادر وكأنه يتسرب من الحياة.. تذيب مشاعرها داخل ليل طويل لا يرحم.. ساعاته أطول من لحظات النهار المتحركة.. في داخله تختبئ بشبابها في احتمالات عودة ذلك الرجل الغائب بصوته وجسده وقلبه..! لم تعرف النساء المنتظرات في ذلك الزمن الهواتف.. أو التواصل مع غائب يرمي بعده بالصوت لتعرف فقط ما يتسرب من أيام عمرها في الانتظار لتلك السفينة التي قد تأتي بعد أيام وربما بعد شهور.. وقد تأتي ولا يأتي من كان عليها..! لم تعد السفن كذلك بعد أن انتصرت عليها التكنولوجيا.. وأنصفت النساء منها.. وقفز الرجل من سطحها لكنه لم يتوارَ بل استقر في الشاطئ المفتوح.. حيث عليه أن يظل هناك.. دون أن يؤلم المرأة بفيض وجع الانتظار ويبدد أيامها في أوجاع تُباعد بينها وبين روحها..! لكن هل انتهى ذلك الخوف من المجهول الذي يُرعب النساء..؟ وهل أقفلت الشواطئ على الرجل فرصة الإبحار لتبقيه داخل حدود اليابسة وعبرها ليمنح المرأة سيادة الأفق المطمئن؟ في كل العصور.. وفي كل الفصول.. ظلت المرأة هي سيدة الانتظار.. وهي سيدة الضحايا تخسر كل شيء.. بتسلسل ربح كل شيء.. وهي سيدة الكلام.. لها حق الكلام.. ولا شيء سوى الكلام.. ترى به في الظلام.. بشكل أكثر عمقاً.. وتدق به على الأبواب المغلقة.. حتى وإن لم تُفتح.. تعلمت أن تفك الحصار عن نفسها بالكلام.. وأن تتداخل مع ذلك المدى الواسع وتؤثر عليه ولا تجد صعوبة في أن يتقبلها.. تدير الأشياء بنفسها ليس من أجل البحث عن التحدي أو إعادة اكتساب الثقة.. وتذويب ذلك الارتباك المفاجئ.. ولكن لأنها تعرف أن هناك أشياء قابلة للتعويض من داخلها.. وعليها أن تحاول استقراءها دون تصريف للمواسم.. أو تحويل لحظتها إلى رتابة يومية..! في كل العصور ظلت المرأة "مقاتلة قوية" لاتختبئ خلف الهاوية التي وجدت نفسها أمامها.. ولا تستقي نمط حياتها من واقع يدفعها عند نقطة نمطية غير عادلة..! هي المرأة تستشف دائماً ماتريد من تلك الخيبات التي تكسرت في داخلها.. ومن ترميم ذاكرة ينعكس عليها نص استرجاع الثقة.. ونشوء حياة تشبه الوطن المستقل والقابل للحياة..! في كل العصور ظلت المرأة الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يفك رموز الحياة الميتة بانتصار لذاته.. مهما كان الموقف صعباً فسوف تجدها قادرة على خلق تلك اللحظة التي يعتمل فيها كل شيء ويجيء فيها المستقبل بأسئلة تتجاوز الواقع وتفجر الحياة باحتفاء باهر.. ورؤية جديدة.. تعرف من خلالها ماذا تريد. "النساء مدن" قد يعرفها الرجل.. ولكن لا يعرف طقوسها.. ولا ماذا تخبئ من نور وظل وعتمة.. وما تهب رياحها العاصفة التي تجتاحها وهل لك أن تكتفي بإغلاق النوافذ.. أم تفتحها..
مشاركة :