طمأنت الجزائر إسبانيا بأنها ملتزمة بالوفاء بعقود تزويدها بالغاز الطبيعي عبر أنبوب “ميدغاز”، قبل أيام من نهاية عقد خط الأنابيب الثاني، الذي يمر عبر المغرب، في خطوة من شأنها أن تعمق القطيعة مع جارتها الرباط. الجزائر - سرعت الحكومة الجزائرية من وتيرة الضمانات العملية لنظيرتها الإسبانية، من أجل ضمان تزويد مدريد بالكميات اللازمة من الغاز، غداة الإعلان عن فسخ العقد المتعلق بأنبوب الغاز، المار إلى أوروبا عبر الأراضي المغربية، وذلك أعقاب الشكوك التي راودت الإسبان حول المسألة، قياسا بالمعطيات المتوفرة. وعبرت الوزيرة الإسبانية للطاقة تيريزا ريبيرا رودريغيز عن ارتياحها للمشاورات التي أجرتها في الجزائر مع نظيرها الجزائري محمد عرقاب بشأن ضمان بلادها للكميات اللازمة من الغاز الجزائري، بعد أن قررت الحكومة الجزائرية وقف التموين عبر الأنبوب العابر للتراب المغربي بداية من مطلع شهر نوفمبر القادم. ودون أن تفصح الوزيرة الإسبانية عن طبيعة الضمانات التي قدمتها الجزائر لبلادها حول القضية المذكورة، إلا أن المختصين أعادوا طرح فرضيات سابقة تحدث عنها مسؤولو شركة سوناطراك النفطية الجزائرية المملوكة للدولة حول استعدادها لتموين إسبانيا بفارق الكميات المتفق عليها بواسطة السفن. ولا يستبعد في هذا الشأن أن يكون الطرفان قد تناولا مسألة السعر، على اعتبار أن العملية تكلف نفقات شحن إضافية، قد تزيد من أسعار المادة في الدولة الأوروبية. وتعرف أسعار الغاز انتعاشة لافتة خلال الأسابيع الأخيرة، أثرت بشكل مباشر على قدرات الجهات المستهلكة، على غرار إسبانيا وإيطاليا اللتين تتزودان بكميات كبيرة من حاجاتهما، وفرضت على حكومة مدريد التقليص من الرسوم المحلية على المادة، للحفاظ على القدرة الشرائية لمواطنيها، الأمر الذي سيطرح مسألة الأسعار بحدة، في ظل مؤشرات استهلاك مرتفع، تنضاف إلى المعطيات التي سيفرزها القرار الجزائري بوقف استغلال الأنبوب العابر للمغرب، بسبب الأزمة الدبلوماسية المتصاعدة بين البلدين. تيريزا ريبيرا رودريغيز: الجزائر شريك مهم في مختلف المجالات وخاصة مجال الطاقة وتذكر إحصائيات متداولة أن مصدر القلق الإسباني ناجم عن أن سعة أنبوب الجزائر – أوروبا تقدر بـ13.5 مليون متر كعب، بينما سعة الأنبوب العابر عبر البحر “ميدغاز” مباشرة إليها تقدر بـ8.5 مليون متر مكعب، وهو الفارق الذي تسعى الحكومة الجزائرية لردمه بكل الوسائل المتاحة لديها، حيث باشرت أشغال توسعة توفر مليوني متر مكعب، وتعهدت بتوفير الكمية المتبقية بواسطة السفن. ويبدو أن الوزيرة الإسبانية للتحول البيئي، والنائبة الثالثة لرئيس الوزراء، قد حصلت على التزامات جزائرية ومعطيات عملية لضمان شحن الغاز عبر خط أنابيب منفصل هو “ميدغاز” الذي يمر عبر البحر المتوسط، بالإضافة إلى الغاز الطبيعي المسال، بحسب ما ورد في بيان لوزارة الطاقة الجزائرية. وقررت الجزائر، حسب تسريبات إعلامية تداولتها تقارير إعلامية، لكنه لم يصرح بها رسميا لحد الآن، وقف العمل بأنبوب الغاز المار عبر المغرب، في إطار تجاذبات سياسية ودبلوماسية تفاقمت مؤخرا، لاسيما بعد إعلان الجزائر عن قطيعة مع جارتها الغربية لأسباب وصفتها بـ”الخطيرة”، واتهمت الرباط باستهداف أمنها واستقرارها وتحريض ورعاية تنظيم “ماك” الانفصالي. وظل قرار وقف الجزائر العمل بالأنبوب المذكور محل تأويلات اقتصادية وسياسية، قياسا بما يمثله من أهمية استراتيجية في المنطقة، خاصة بعد أن صرح الرئيس عبدالمجيد تبون، في آخر تصريح له لوسائل إعلام محلية، بأن “المسألة لم يحسم فيها بعد”، غير أن التطورات الأخيرة تفضي إلى عزم الجزائر “معاقبة” جارتها الغربية، في إطار “تصفية الحسابات الثقيلة بينهما”. وينتهي اتفاق لنقل الغاز عبر خط أنابيب “الجزائر – المغرب – أوروبا” الذي يمر بالأراضي المغربية نهاية شهر أكتوبر الجاري، ولأول مرة منذ إطلاقه في منتصف تسعينات القرن الماضي، يتحول إلى ورقة لتصفية خلاف دبلوماسي بين البلدين. وفيما دخلت الحكومة المغربية في البحث عن بدائل لعائدات الأنبوب، بما في ذلك التدفق العكسي عبر استيراد كمياتها اللازمة من إسبانيا، فإن مؤشرات ارتفاع الاستهلاك خلال الأشهر القادمة دفعت الحكومة الإسبانية إلى تكثيف مشاوراتها مع نظيرتها الجزائرية، لضمان الحاجيات المتزايدة في ظل توقعات الشتاء البارد والطويل في أوروبا. قرار وقف الجزائر العمل بأنبوب “ميدغاز” محل تأويلات اقتصادية وسياسية قياسا بما يمثله من أهمية استراتيجية في المنطقة خاصة بعد تأكيد تبون مؤخرا أن المسألة لم يحسم فيها بعد وذكرت الوزيرة الإسبانية في البيان الذي توج مشاوراتها مع نظيرها الجزائري، بأنه “تم توضيح الضمان الكلي بشكل صريح في ما يتعلق بالكميات المتفق عليها، وأن الطرفين ناقشا كيفية ضمان أن كل شيء يعمل أيضا بأفضل الطرق الممكنة وأكثرها سلاسة، وأن الجزائر ستبقى شريكا مهما في مختلف المجالات، لاسيما الطاقية والاقتصادية، المورد الرئيسي للغاز لإسبانيا خاصة مع وجود العديد من الشركات الإسبانية الناشطة في الجزائر”. بينما شدد الوزير الجزائري على “أهمية التعاون والشراكة الاستراتيجية مع شركات الطاقة الإسبانية”. وأعرب عن أمل “بلاده في رؤية الشركات الإسبانية في المناقصات المقبلة للاستفادة من المزايا التي يوفرها القانون الجديد للمحروقات”، في إشارة إلى إمكانية تطوير التعاون بين البلدين وتوسيعه إلى القطاع الاستراتيجي الأول في الجزائر. وعبر الطرفان عن “رغبتهما في تكثيف التعاون وجعله أكثر تماسكا من خلال دراسة من الجانبين لجميع الفرص المتاحة للبلدين في صناعات الغاز والكهرباء، وأن العلاقات الثنائية بينهما في مجال الطاقة تعتبر مميزة وتاريخية”.
مشاركة :