منذ جائحة كورونا، تغض شرطة الاحتلال الإسرائيلية الطرف إزاء الطقوس الدينية التلمودية التي يؤديها المستعمرون/ «المستوطنون» المقتحمون وتتركز في المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى وبالقرب من مصلى باب الرحمة وقبالة قبة الصخرة، فضلا عن تعمد المقتحمين إعطاء شروحات لقطعان «المستوطنين»، والتوقف في أماكن متفرقة في ساحات الأقصى، والجلوس بحجة الاستراحات، وذلك لضمان قضاء أكبر وقت ممكن داخل المسجد. وكل هذا يأتي متناقضا لما اصطلح عليه «الستاتيكو» المعمول به، ناهيكم عن كون المسجد الأقصى تحت الوصاية الهاشمية. التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى يستهدف جعله مكانا دينيا مشتركا للمسلمين واليهود، حيث تطالب الجماعات الإسرائيلية المتطرفة وعلى رأسها جمعيات «الهيكل المزعوم»، بتخصيص «أوقات» و«أماكن»، لليهود، للعبادة داخل حرم المسجد. بدأ الأمر في عام 2003. حينما قررت شرطة الاحتلال أحاديا السماح لليهود باقتحام الأقصى بحراستها. منذ ذلك الوقت، تضاعفت أعداد المقتحمين سنويا إلى أن وصلت إلى أكثر من 18 ألف مستوطن في 2020. فيما يتوقع أن يكون العدد قد ازداد مع نهاية العام الحالي، وخاصة أن باحات الأقصى شهدت اقتحامات غير مسبوقة في الأعياد اليهودية خلال 2021. إذ تنجح «إسرائيل» في تحقيق التقسيم الزماني، بشكل تدريجي، بدءا بتخصيص أوقات محددة (في فترتي الصباح وما بعد صلاة الظهر) للمستوطنين باقتحام المسجد. نجاح التقسيم الزماني للأقصى يمهد للتقسيم المكاني، والذي ربما لا يكون نهاية المطاف في ضوء المخططات المعلنة من قبل الجماعات الإسرائيلية المتطرفة، فهناك أطماع أكبر من ذلك تتمثل في تخصيص أجزاء ومساحات من المسجد الأقصى يقتطعها الاحتلال ليحولوها إلى كنائس يهودية، وإعادة بناء «الهيكل المزعوم» على أنقاض الأقصى، وهذه المطامع لم تعد تخفى على أحد، بل بات التصريح بها أمرا عاديا و«حقا مشروعا» كما ترى جمعيات «الهيكل المزعوم». التقسيم «الزماني» واقع، أما «المكاني» فتعمل سلطات الاحتلال على تطبيقه بالقوة، ويتصدر قائمة الأولويات لدى الاحتلال، الذي يسعى إلى استبدال المكون البشري الإسلامي، من مرابطين ومصلين ومعتكفين، بالمكون «الاستيطاني» اليهودي، هذا الأمر الذي إن وقع فسيكون استنساخًا لما جرى في الحرم الإبراهيمي، بعد المجزرة عام 1994. حين قررت سلطات الاحتلال تقسيم الحرم بين اليهود والمسلمين، وإغلاقه أمام الفلسطينيين والمسلمين والزائرين 10 أيام كل عام، وفتحه بشكل كامل «للمستوطنين». السماح بهذه الاقتحامات وأداء «الصلوات الصامتة» في ساحات المسجد وتقسيم الأقصى، هو انتهاك للوضع التاريخي القائم في المسجد، والذي بموجبه تقتصر الصلاة على المسلمين وحدهم، فيما يمكن لغير المسلمين زيارته كسياح، وتكون المسؤولية فيه حصرا لدائرة الأوقاف الإسلامية. لكن الوضع القائم هذا، تآكل في السنوات الأخيرة الماضية، وهناك صلاة يهودية في المكان وشرطة الاحتلال الإسرائيلية التي كانت تحافظ على الوضع في الماضي، باتت تغض الطرف عن هذه الصلوات. وكلنا ندرك، أنه في سنوات عديدة، أدت كثافة اقتحامات «المستوطنين» للأقصى إلى تفجير مواجهات عنيفة بين الفلسطينيين وجيش الاحتلال، كان آخرها مايو الماضي، ذلك أن السبب هو الشعور بأن المسجد الأقصى يتم تحويله من موقع إسلامي بوجود ضيوف غير مسلمين إلى موقع إسلامي يهودي مشترك. وبالمحصلة فإن جهود شرعنة «الصلاة الصامتة» لليهود في حرم المسجد الأقصى (رغم إلغاء قرار محكمة الصلح الإسرائيلية في القدس من أنها «ليست جُرما») هي مقدمة «صامتة»، على وشك أن تصبح مدوية (لا قدر الله) لتغيير الواقع وترسيخ تقسيم المسجد «زمانيا» ولاحقا «مكانيا». فهل من تحرك نحو إحباط المخططات الإجرامية للاحتلال؟!
مشاركة :