منذ سنوات، ومع افتضاح توجهات اليمين الصهيوني المتطرف سواء في الحكومة والمجتمع الإسرائيليين، ازدادت انتهاكات جماعات ما يسمى «جبل الهيكل» وفي جزء كبير منها اقتحامات «المسجد الأقصى»، في محاولة لفرض الرؤية اليمينية المتطرفة وقوامها نقاط ثلاث: أولها، إن ما للمسلمين لا يتعدى المسجد القبلي، الذي هو فقط ما يمثل المسجد الأقصى، بحسب التعريف الإسرائيلي. وثانيها، كل ما تبقى من الحرم بعد ذلك هو مكان مقدس للطرفين، وليس للمسلمين فحسب. وثالثها، أن للشرطة الإسرائيلية تنظيم حق حرية العبادة للطرفين، والمسؤولة عن تقسيم ساعات الوقت اليومي لضمان حق كل طرف!! كثيرة هي الأمور التي ترتبت على هذه النقاط الثلاث: فقد «سمحت» سلطات الاحتلال الإسرائيلية بالصلاة الفردية والجماعية الصامتة لليهود، لحقها السماح بالصلوات العلنية لهم، بعد الدعم الكبير بصدور قرارات «قضائية» تتيح لليهود حق الصلاة في مكان «الهيكل المزعوم». وهنا تكمن الخطورة، فبعد هذه القرارات «القضائية» تعالت أصوات جماعات «الهيكل المزعوم» باعتبار ما سبق خطوات مرحلية على طريق هدم الحرم القدسي وإقامة «الهيكل» مكانه، ولم يعد هناك حديث إسرائيلي عن تقسيم مكاني بعد التقسيم الزماني الواقع! ما يحدث في المسجد الأقصى ينطبق كذلك على كنيسة القيامة. فقرار الاحتلال الإسرائيلي فرض قيود وعوائق على وصول الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة القيامة للمشاركة في احتفالات «سبت النور»، ينضم إلى الاقتحامات والانتهاكات والاعتداءات على المصلين من قِبل قوات الاحتلال في الحرم القدسي الشريف، وبذلك تترسخ صورة واضحة عن الموقف الإسرائيلي ضد حرية العبادة والمعتقد، ومحاولات النيل من الرموز الدينية والتاريخية والحضارية لزهرة المدائن، بوصفها العاصمة الروحية والسياسية للفلسطينيين. الدولة الصهيونية بذلك تسعى إلى تغيير المعالم الدينية للمدينة المقدسة، بما يتلاءم مع مخطط تهميش طابعها الإسلامي – المسيحي، واختلاق معالم دينية يهودية، عبر الاقتلاع والإحلال المتواصل ضد الإنسان الفلسطيني. انتهى شهر رمضان المبارك، لكن الأوضاع مرشحة للانفجار في أي لحظة، خاصة مع دعوات جماعات «الهيكل المزعوم» لتكثيف الاقتحامات وهو ما حدث في ما يسمى «ذكرى الاستقلال» (النكبة الفلسطينية) ثم مسيرة رفع الأعلام خلال يوم ما يسمى بـ«يوم توحيد القدس»، وهي مناسبات وما حدث فيها قد تؤدي الى إشعال الوضع من جديد، وكذلك هنالك الأعياد اليهودية الطويلة الممتدة من آب/ أغسطس وحتى تشرين الأول/ أكتوبر القادم، والتي ستكون مناسبات لإذكاء المزيد من التفجر. جميعنا يرى حرب الدولة الصهيونية على المسجد الأقصى، فهي تؤيد وتحمي المقتحمين في محاولة لفرض سيادتها على المكان. فالصلاة لم تكن يوما هي الهدف الأول، حيث يتمثل الهدف في السيادة والسيطرة والملكية والمرجعية. والحل، بإجماع إسرائيلي، إحكام السيطرة على البقعة المقدسة. وفي كل الأحوال، فإن وحده الوجود الفلسطيني على الأرض ومواصلة الهبات الشعبية، هو الضمان لكبح المخططات الإسرائيلية مهما بلغت خطورتها، ولخلق بيئة ضاغطة يمكن استثمارها سياسيا ودبلوماسيا فلسطينيا وعربيا. فقد أثبتت الدولة الصهيونية أن البيانات والمناشدات، مهما بلغت شدة لهجتها لا تردعها كدولة احتلال عن ممارساتها ومخططاتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة عمومًا، وفي القدس المحتلة على وجه الخصوص. وهي «دولة» لا تفهم سوى منطق القوة.
مشاركة :