حوارٌ فني تقودهُ اللوحة بما تحتويه من ثنائية البعد، والمنحوتة بأبعادها الثلاثة، إلا أنهُ معنونٌ بـ«البعد الرابع»، وهو بُعد يرتبطُ في الفيزياء بالزمن، بيد أن المعرض لا يذهبُ في اتجاه تناول مفوم الزمن بما هو، إنما يدور في أرجاء الأبعاد جميعها، ليزاوج بينها في هذا الحوار الذي يتخذُ المواد فماً ينطق بالأشكال والألوان، مستعيضاً بها عن ما ينطقهُ الفم البشري من أصواتٍ وكلمات... فهذا المعرض الذي تلتقي فيه رائدة من رواد فن البورسلين في البحرين، الفنانة هدى الساعي، بالفنان والنحات خالد فرحان، تمتزجُ فيه مختلف الخامات، لتولد مزيجاً من الأعمال المتصلة، والمنفصلة في آن. في معرض «البعد الرابع»، الذي افتتح (19 أكتوبر) ليستمر حتى الثاني من (نوفمبر)، بـ«مركز الفنون»، يلتقي المتلقي بالاشتغالات الورقية، والأعمال الخزفية، والمنحوتات التجريدية والواقعية، واللوحات الفنية، والتشكيلات البسيطة، كما يجدُ مختلف الخامات كما لو أنهُ في ارتحالة نحو أشكالٍ فنية متعددة، يجمعها معرضُ واحد، وقد لا تتفقُ مضامين الأعمال بالضرورة، لكنها تعبر عن تجارب مغايرة، لفنانين يتخذُ كل واحدٍ منهم اشتغالاً فنياً مختلفاً عن الآخر، بيد أن بعداً غير مرئي كالبعد الرابع (الزمن)، يجمعهما في هذا المعرض، إذ يبين فرحان، في مورد حديثه تعليلاً للعنوان، بأن «معرض (البعد الرابع) معرضٌ يتكون من أربع مجالات فنية، كلّ مجالٍ منها يشكلُ بعداً، فمن النحت إلى الاشتغالات الورقية، ومن اللوحة إلى البورسلين، ومن هذا المنطلق عُنون المعرض بالبعد الرابع». تقدمُ الفنانة الساعي، إلى جانب اشتغالات البورسلين، اشتغالاتٍ نحتيةٍ كبيرة الاحجام للحرف العربي، مشكلُ بخط النسخ، بالإضافة لمجموعة من اللوحات الانطباعية التي تجلي الطبيعة بكامل بهائها وفرائحيتها، فيما تزاوجُ في أعمال البورسلين، بين المرسوم انطباعياً من الطبيعة بغنىً لوني، وواقعية الحرف العربي بخط الثلث أحادي اللون. أما الفنان فرحان، فقدم مجموعة من المنحوتات التجريدية، والأشكال البسيطة الأقربُ للأبعاد الثنائية؛ كالدائرة، وحصالة النقود، والأشكال الهندسية المتمردة، إلى جانب ثلاث منحوتات ثلاثية البعد توسطت القاعة الثانية لـ«مركز الفنون»، والتي يتجاوز إثنان منها المتر ونصف المتر، فيما لم تتجاوز المنحوتة الثالثة النصف متر ارتفاعاً. إلى جانب منحوتة أقرب ما تكون للمنحوتة الهندسية التجريدية المعقدة. كما قدم فرحان، مجموعة من الاشتغالات الورقية، التي قال لنا في مورد إجابته عن سؤالٍ حولها: «أعمال الورقيات، هي حالة اشتغال مختلف قدمتها في هذا المعرض بشكلٍ مغاير، يختلف عن عمل الورق الخام الفقير الذي يلتقي به الواحدُ منها في الشارع وفي كل مكان»، وهذا ما يلحظهُ المتلقي، إذ أن الأعمال شُكلت كما لو أنها اشتغالات في فن طيّ الورق الياباني المسمى بـ(الأوريغامي)، لكنها ليست كذلك، نظراً لتحررها من قيود هذا الفن الهندسي، فهي أشكالُ حرةُ متحررةٌ من ثم قيود تفرضها قواعد، وهي أقربُ لمحاكاتٍ لمنحوتاتٍ يشكلها الورق، وكأن فرحان يستنطق هذه المادة البسيطة، ليُخلق منها شيئاً، مستعيناً بالتداخلات اللونية، والإضافات البلاستيكية، والبروز الذي حرص على إضفائه على الأعمال، لتشكل مجسمات ثلاثة الأبعاد، أقربُ ما تكون للأشكال المنحوتة، أو الأعمال المركبة. ويبين فرحان لجوءهُ للورق في هذا المعرض قائلاً: «كفنان أعشقُ الخامات الفقرة المهملة في الشارع، كالورق، وجذوع الأشجار»، حيثُ يحولها من كونها خاماتٍ فقرة، لأعمال فنية، تتصلُ باشتغاله النحتي، «أعمال الورقيات، متصلة بالمنحوتات الفنية، فهي حالة شعورية مختلفة لها مذاقها في تصميم العمل الفني». وحول اتصال هذه الأعمال الورقية، وغيرها من المنحوتات المجردة التي قدمها فرحان، بأعمال الفنانة هدى الساعي، يبين فرحان «من خلال عرضنا المشترك في هذا المعرض، نوجدُ رؤىً مختلفة وفريدة لبروز هذا التمازج الاشتغالي بين المنحوتات. فالفنانة رائدة من رواد فن البورسلين في البحرين، وقد مارست اشتغالها في هذا المجال لأكثر من ثلاثة عقود، ولهذا جاء اشتراكنا في هذا المعرض للخروج بشيءٍ مغايرٍ وفريد».
مشاركة :