في العام الماضي توقف الاقتصاد العالمي عن العمل، لكن العجلة تحركت مرة أخرى هذا العام لتصبح عالقة في واحدة من أكبر اختناقات سلاسل التوريد في التاريخ. تؤكد المؤشرات الجديدة التي طورتها "بلومبرغ إيكونوميكس" مدى خطورة المشكلة، وفشل العالم في إيجاد حل سريع، وكيف أن الأزمة الكبرى للعام 2021 لا تزال تزداد سوءًا في بعض المناطق. يحدد البحث ما هو واضح للعين المجردة في معظم أنحاء العالم - محلات السوبر ماركت ذات الأرفف الفارغة، والموانئ التي يتم فيها توجيه السفن بعيدًا عن الشط، ومصانع السيارات حيث يعرقل الإنتاج نقص الرقائق الدقيقة - وتلوح في الأفق فوق كل هذا علامات القفزات في الأسعار. قد تضطر البنوك المركزية، التي تراجعت بالفعل عن وجهة نظرها القائلة بأن التضخم "مؤقت"، إلى مواجهة تضخم الأسعار برفع الفائدة قبل الوقت المتوقع. ويشكل ذلك تهديدا جديدا للتعافي المتعثر، ويمكن أن يلقي بظلاله على أسعار الأسهم والعقارات. اختناقات "مأساوية" يكمن خلف الاختناقات "المأساوية" مزيج من شبكات النقل المثقلة بالأعباء، ونقص العمالة في نقاط الاختناق الرئيسية، والطلب الذي تم تعزيزه من خلال حوافز فترة الوباء والذي ركز بشكل أكبر على السلع أكثر من الخدمات. لقد فوجئ المنتجون بالانتعاش هذا العام، بعد أن خفضوا طلبيات المواد العام الماضي، عندما توقف المستهلكون عن الإنفاق. وفي فيتنام، اضطرت المصانع التي تصنع أحذية Nike إلى تقليص الإنتاج لأن العمال المهاجرين انتقلوا إلى مقاطعاتهم الأصلية خوفًا من كوفيد-19. كما تواجه الصين، مصنع العالم، تفشي متحورات جديدة للفيروس وتستجيب بإغلاق مستهدف. كما بدأت أسعار مصانعها ترتفع بمعدل سنوي عند 10٪، وهو الأسرع منذ التسعينيات. من خلال جمع كل هذه الأجزاء معًا، تُظهر مؤشرات "بلومبرغ إيكونوميكس" نقصًا كبيراً في مقاييس الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومنطقة اليورو. وتستند المؤشرات إلى مجموعة من البيانات، من أسعار المصانع إلى نسبة المخزون ومبيعات تجار التجزئة، وتراكم الطلبات لشركات قطاع الخدمات. تشير قراءات الصفر إلى الظروف الطبيعية، بينما تشير القراءات السلبية إلى وفرة السلع، والإيجابية إلى القيود. وتظهر المقاييس تحولًا مفاجئًا من فائض العرض قبل أزمة كوفيد-19 إلى النقص الكبير الحاصل اليوم. بالنسبة للمصنعين العالميين مثل تويوتا - التي خفضت إنتاج سبتمبر بأكثر من الثلث من مستويات 2020 - وكذلك الشركات التي تنقل منتجاتها حول العالم، والمتسوقين الذين ينتظرون تسلم طلبياتهم، السؤال الكبير الآن: متى تنتهي الاضطرابات في سلاسل التوريد؟ حتى الشركات العملاقة مثل أمازون وأبل - التي اعتادت تطويع سلاسل التوريد حسب إرادتها - لا ترى الوضع يتحسن بسرعة. وقالت أمازون إن أرباحها في الربع الأخير يمكن أن تمحى بأكملها بسبب ارتفاع التكاليف. فيما كشفت شركة أبل أنها خسرت 6 مليارات دولار من المبيعات بسبب عدم قدرتها على تلبية الطلب، وقد تخسر المزيد في الربع القادم. عادة ما تسير أنظمة اللوجستيات في فترات من الصعود والهبوط وفق نمط يمكن التنبؤ به: ارتفاع الطلب يعزز التجارة، ويرفع معدلات الشحن وينذر بأوقات جيدة للناقلات، حتى يفرطوا في بناء القدرات ويتبع ذلك الانهيار. لكن الوباء ألقى بتلك الدائرة خارج اللعبة، فحتى وسط علامات تباطؤ النمو، لم يكن خط التجارة الدولية مسدودًا. قال سايمون هيني، مدير أول لأبحاث الحاويات في Drewry بلندن: "لكي تتعافى سلسلة التوريد، فإنها ستتطلب قدرًا معينًا من الحظ - تجنب كوارث الطقس أو نقاط كوفيد-19 الساخنة الجديدة، بالإضافة إلى الوقت والاستثمار لإضافة المزيد من القدرات اللوجستية". معضلة التضخم بالنسبة لاقتصاد عالمي يخرج من أعمق ركود في التاريخ الحديث، فإن نقص العرض الناجم جزئيًا عن الطلب القوي يمثل مشكلة "جيدة". ومن الواضح أن الأمر الأسوأ هو العكس: وفرة العرض لأن الاقتصادات متدنية، مع ملايين العاطلين عن العمل. لكن هذا الخيار الأقل سوءًا لا يزال يخلق الكثير من المشاكل من تلقاء نفسه. فالتضخم يرتفع بما يكفي ليكون خارج منطقة الارتياح لصانعي السياسة النقدية. وفي الولايات المتحدة يبلغ الآن 5.4٪ ويمكن أن يظل في نطاق 4٪ إلى 5٪ العام المقبل إذا لم تخف قيود العرض، وفقًا لنماذج "بلومبرغ إيكونوميكس". هذا لا يعني أن العالم يمر بفترة من الركود التضخمي على غرار فترة السبعينيات. ومن غير المرجح أن يرتكب الاحتياطي الفيدرالي وأقرانه نفس الأخطاء مرة أخرى. كما أن البطالة أقل بكثير من ذروتها في السبعينيات، وهي في انخفاض. مع ذلك، فإن البيئة الحالية - أطلق عليها اسم "التضخم المصحوب بالركود" - هي بيئة مليئة بالتحديات لمحافظي البنوك المركزية، فإبقاء المعدلات عند أدنى مستوياتها الحالية من شأنه أن يسمح باستمرار الانتعاش، لكن المخاطر سترتفع إذا ما توقعت الأسر والشركات "المزيد من الشيء نفسه". من ناحية أخرى، التضييق من شأنه أن يهدئ التضخم ليس من خلال معالجة عدم كفاية العرض، بل من خلال كبح الطلب. لكنه يمكن أن يتحول إلى ما يشبه الجراح الذي يعلن: "العملية ناجحة، والمريض ميت". يقوم المتداولون حاليًا بتسعير رفع أسعار الفائدة مرتين من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي في عام 2022. وقد يهدأ الطلب على السلع مع تلاشي التحفيز أو المخاوف من تشديد الأوضاع المالية التي تؤدي إلى تآكل الثقة. وستؤدي العودة للخدمات، إلى تقليل الاختلال بين العرض المقيد والطلب المتزايد، كما قد يؤثر التباطؤ المستمر في الصين على أسعار السلع الأساسية. قال جون باتلر، رئيس مجلس الشحن العالمي، الذي يمثل أكبر شركات الشحن البحري لـ"بلومبرغ": "الوضع الحالي فريد من نوعه ومختلف تمامًا عن الاضطرابات الأكثر عزلة التي شهدها العالم.. الطريقة التي سيتلاشى بها الازدحام الحالي ستكون مختلفة أيضًا".
مشاركة :