منذ أن توقفت مفاوضات فيينا النووية في يونيو الماضي بناء على طلب من النظام الإيراني بحجة الانتخابات الرئاسية، وطهران تؤكد أنها ستعود إليها قريبًا، وذلك بالرغم من مرور قرابة أربعة أشهر على عملية انتقال السلطة التنفيذية. وبحسب بيان أصدرته الخارجية الإيرانية مؤخرًا، سيتم استئناف المفاوضات النووية مع (1+4) قريبًا! وهو الأمر الذي دعا روسيا إلى انتقاد موقف طهران، حيث قال المبعوث الروسي إلى مفاوضات فيينا ميخائل أوليانوف، هل هناك من يعلم ماذا تعني كلمة (قريبا) من الناحية العملية؟ كذلك وبينما كانت التحضيرات تجرى للذهاب إلى فيينا، أعلنت طهران عقد اجتماع في بروكسل مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي لمناقشة مسودة اتفاق جرى إعدادها في يونيو الماضي، لكن الرد الأمريكي جاء سريعًا على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، حيث قال إن بلاده ترى عدم وجود حاجة إلى مثل هذا الاجتماع، مؤكدا أن أعضاء مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا، يتقاسمون نفس الرأي بأن المفاوضات في فيينا. على الصعيد ذاته، سعى النظام الإيراني إلى تأخير المباحثات من خلال وضع شروط للعودة، إلا أن هذا الأمر أيضًا لم يرق للولايات المتحدة الأمريكية حيث رفضت وضع شروط مسبقة لاستئناف المفاوضات، أو طرح مقترحات جديدة، أو مطالب تتجاوز ما تم التوافق عليه خلال الجولات الست السابقة من المحادثات. وقد دفعتني مماطلة طهران في العودة إلى المفاوضات، إلى طرح هذا التساؤل: هل وجدت إيران طريقة تتيح لها الحصول على يورانيوم عالي التخصيب من دون مساءلة؟ نعم، كل الاحتمالات واردة وكلها يجب أن تؤخذ على محمل الجد، خاصة عندما تكون الدولة التي تسعى إلى امتلاك السلاح النووي هي دولة دينية تعتقد بوجوب تصفية كل مختلف معها. وكان لزامًا أن أطرح هذا التساؤل بعد أن أبرمت الولايات المتحدة وبريطانيا اتفاقا مع أستراليا في 15 من سبتمبر الماضي أطلق عليه اتفاق (أوكوس)، ونص على توفير غواصات تعمل بالطاقة النووية، وقد يتساءل البعض ما علاقة إيران بهذا الأمر؟ الفقرة التالية ستزيل هذا الغموض، وستكشف عن طريقة تتيح لإيران الحصول على يورانيوم عالي التخصيب من أجل برنامجها النووي العسكري من دون مساءلة! استخدم اتفاق (أوكوس) ثغرة في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية تسمح للدول غير الحائزة لها والموقعة على المعاهدة بتحويل المواد الانشطارية بعيدًا عن تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية إذا تم استخدامها لأغراض سلمية مثل الدفع بواسطة الغواصات، وتجدر الإشارة هنا إلى أن ذلك الاتفاق لم يرق لساسة إيران على الإطلاق، حيث انتقده جواد ظريف وزير خارجية إيران السابق، وذلك بسبب استثناء أستراليا وهي من الدول الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي. المخاوف تكمن في الآتي: وفقًا لمعاهدة حظر الانتشار النووي تستطيع الدول التي لا تمتلك أسلحة نووية أن تعلن امتلاكها لليورانيوم عالي التخصيب بحجة استخدامه في الأغراض السلمية وتستثني المفاعلات البحرية من تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما يعني أن إيران قد تحاول الولوج من تلك الثغرة، ولنا أن نتصور إذا ما امتلكت إيران غواصات تعمل بالطاقة النووية، فحينها فرص حصولها على اليورانيوم عالي التخصيب المشابه للمستخدم في السفن الأمريكية والبريطانية ستكون كبيرة جدًا. حيل طهران لفرض شروطها على المفاوضات المقبلة: قبل الحديث عن حيل النظام الإيراني لفرض شروطه على أية مفاوضات مقبلة، أرى أنه من المناسب تخصيص بعض المساحة للتحدث عن تلك الشروط بشيء من التفصيل. شروط طهران للعودة إلى المفاوضات هي كالآتي: *الحصول على ضمانات ملزمة بعدم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مرة أخرى، كما حصل في عام 2018. { غض النظر عن برنامج إيران الصاروخي البالستي. { الحصول على تعهدات برفع كل العقوبات دفعة واحدة. { الإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة. نعود إلى الحيل التي اتبعتها طهران لفرض شروطها على المفاوضات، ومنها محاولة اختراق مجموعة (5+1) بعد الخلاف الذي جرى بينهم على خلفية اتفاق (أوكوس)، حيث طلبت إيران الوساطة الأوروبية، من أجل مراجعة محتويات البنود التي كانت مطروحة في نهاية الجولة السابقة، لكن أمريكا أغلقت عليها هذا الطريق كما أوضحنا مسبقًا. كذلك منعت طهران على الوكالة الدولية للطاقة الذرية لقاء مسؤولين إيرانيين كبار، كما نص عليه اتفاق أبرم في سبتمبر الماضي بين الوكالة الدولية وإيران. تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن لا يمكنه الالتزام بشروط إيران حتى وإن أراد ذلك، فهو لا يمتلك أغلبية الثلثين من حزبه في الكونجرس ليحول الاتفاق مع إيران إلى معاهدة ملزمة لكل الأطراف، وفي الوقت ذاته ليس لديه تأثير على الجمهوريين في الكونجرس فالأغلبية مؤيدة لإسرائيل. الخلاف بين أمريكا وإسرائيل حول الملف النووي الإيراني ترى إسرائيل أن العودة إلى اتفاق فيينا لن يكون مثمرا بسبب التقدم الذي أحرزته إيران في برنامجها النووي، وهي بذلك متمسكة بضرورة فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات اقتصادية ثقيلة عليها، وتميل إلى تهديد طهران بالتدخل العسكري حال عدم التزامها ببنود الاتفاق الجديد، وبحسب صحيفة (يسرائيل هيوم) فإن سلاح الجو الإسرائيلي سيبدأ العام المقبل الاستعدادات للتدرب على هجوم محتمل ضد إيران، في المقابل كل ما تسعى إليه الولايات المتحدة بحسب تقرير الصحفي الإسرائيلي عاموس هرئيل في صحيفة (هآرتس) هو مجرد استئناف المفاوضات مع إيران! وإسرائيل في هذه المرحلة الحرجة بحاجة ملحة إلى معلومات استخباراتية حديثة، حيث إن الخيار العسكري مع إيران قد تم استبعاده عام 2016. بعد أشهر من توقيع إيران على الاتفاق النووي، لكنه الآن، بحسب رويترز، دخل حيز التنفيذ بعد أن صادق رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية أفيف كوخافي على خطة الهجوم. - النظام الإيراني يستخدم الشعب كورقة ضغط للتخلص من العقوبات الأمريكية: بالرغم من علم النظام في إيران أن عدم تحقيق أي تقدم في ملف المباحثات النووية من شأنه عدم رفع العقوبات عليه، وبالتالي سيحرم الإيرانيين من حقوقهم الأساسية في مجالات عديدة منها الصحة إلا أنه لا يبالي، فشركات الأدوية والشركات الطبية في العالم أجمع، تلتزم بالعقوبات خشية التعرض لعقوبات محتملة. وبذلك أصبحت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران تشكل تهديدا للصحة العامة، فقد حدت من قدرة البلد على استيراد الأدوية. وهنا لا بد من الإشارة إلى النظام الإيراني ليس ذلك النظام الذي يهتم بمعاناة شعبه فهو منذ وصوله إلى الحكم عام 1979. وهو في خلاف مع الشعب الإيراني المقهور، الذي يعيش في وطن لا مستقبل له، في ظل مساعي النظام لامتلاك السلاح النووي، وإثارة الخراب والدمار في كل مكان يستطيع الوصول إليه. الخلاصة: أرى أن طهران قد تذهب إلى الجولة السابعة من المفاوضات حتى إذا لم تحصل على أي من شروطها، وذلك فقط من أجل حفظ ماء الوجه بعد كل هذا التأخير، وفي الوقت ذاته ستواصل برنامجها للتخصيب من دون أن تمتلك الولايات المتحدة والأطراف الغربية أية وسيلة ضغط مباشرة، خاصة في ظل اتساع الخلافات بين الولايات المتحدة والصين. كما يجب الانتباه إلى أن الحكومة الإيرانية الحالية تختلف عن السابقة التي كانت تسعى إلى تحقيق اتفاق مع أمريكا يتيح للإصلاحيين البقاء في السلطة، فهذه الحكومة ترى أن الصراع مع أمريكا كفيل برفع العقوبات الاقتصادية. كذلك تحتاج الإدارة الأمريكية إلى إيصال رسالة أكثر وضوحًا للنظام الإيراني، تفيد في أنها مســـتعدة للمضي قدمـــا لمرحلة أبعد من العقوبات، وشـــن هجوم عســـكري، على اعتبار أنه الخيار الأخير الذي يحول دون امتلاك إيران للقنبلة الذرية. { باحث أكاديمي متخصص في الشأن الإيراني
مشاركة :