قد يكون تصريحا عابرا، ومن باب الحيطة والحذر، هو ما دفع الصين إلى دعوة مواطنيها مؤخرا لتخزين المواد الغذائية خلال المرحلة المقبلة تحسبا لأي طارئ. وقد يكون شرارة أزمة غذاء صينية ولاحقا عالمية مقبلة، وإحدى تداعيات عامين على نكبة كورونا لم تزل قائمة. وفي كلتا الحالتين، فالأمر يدعو إلى التفكر والتدبر، خصوصا أن الصين، التي كانت مصدر وباء كورونا العنيد في تحوراته، لم تحدد سبب الخطوة التي أعلنتها، والتي لم تقم بها عند اندلاع الوباء في المقام الأول. فلماذا الآن؟ فقد دب الذعر في الداخل الصيني وعلى مستوى العالم، خصوصا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بعد طلب الصين من مواطنيها، وفق وسائل الإعلام العالمية، البدء بتخزين المواد الغذائية، ما فهمه عديد البشر أن خطرا محدقا يلوح في الأفق، إما نتيجة نقص الإنتاج، خصوصا خلال فترة الشلل الذي أصاب حقول ومصانع العالم على مدى عامين بفعل اجتياح وباء كورونا للمعمورة، أو نقص حالي في المخزون الغذائي العالمي، أو اضطراب في سلاسل التوريد، أو أن موجة شديدة من موجات كورونا مقبلة، وهذا يدعو للتوجس مجددا، أو أزمة إمدادات في الطاقة أو غير ذلك. وفي كل الأحوال، يبقى السؤال: كيف تعاملت حكومتنا مع الأمر؟ الأجدر بداية أن تطل علينا، وعلى الأقل، وزارة الصناعة والتجارة والتموين، بتصريح رسمي مطمئن تسرد فيه واقع حال المخزون الغذائي لدينا، وما هي خطط الحكومة إن كانت دعوة الصين تحمل في طياتها أكثر من مجرد كونها إجراء احترازيا روتينيا. لكن شيئا من هذا لم يحدث. وهنا فعلى المسؤول إدراك أن الأصل في علم الاتصال عدم الانتظار لترجمة الأحداث العالمية من قبل العامة محليا من باب “كل على هواه”، بل عليه استباق الأمور بالتوضيح، خصوصا أن الأمر لن يكلف الحكومة شيئا. كان على الفريق الوزاري إظهار الحرص على متابعة أمر يتقدم أولويات المواطن. ولعل الإشارة الوحيدة جاءت من القطاع الخاص على لسان رئيس غرفة تجارة عمان ونقيب تجار المواد الغذائية، خليل الحاج توفيق، الذي استبعد، في تصريحات صحفية، وجود أي تأثيرات للخطوة الصينية على مخزون المملكة من السلع الغذائية الأساسية، مؤكدا “أن الأردن يعتمد على مصادر عالمية متعددة في استيراد المواد الغذائية”. وبالعودة إلى دعوة الصين لمواطنيها تخزين المواد الغذائية، فعلينا جميعا أن ندرك أن كوارث التغير المناخي، التي ظهرت للعيان هذا العام وما قبله وستزيد في المستقبل، من فيضانات وحرائق غابات وارتفاع غير مسبوق للحرارة وحالات جفاف شديدة، تدعو الدول والحكومات إلى التنبه إلى موضوع الأمن الغذائي، وهو الأمر الذي يوليه جلالة الملك عبدالله الثاني الأهمية الكبرى، وقد تجلى في قول جلالته، خلال لقائه مؤخرا وجهاء وممثلي لواء الأغوار الشمالية، “إن الأمن الغذائي يُعد غاية مهمة أردنيا وإقليميا”، لافتا إلى “ضرورة التنسيق بهذا الخصوص، كون الإمكانات اللازمة لتحقيق هذا الهدف متوفرة”. وهنا، فإن اتباع أساليب الزراعة الذكية لتوفير وترشيد استهلاك المياه قد يكون مخرجا للأردن، الذي يعد من أفقر الدول في مصادره المائية على مستوى العالم، لتعزيز أمنه الغذائي، هذا مع العلم أن التوجه العالمي يصب نحو التركيز على تقنيات الزراعة الذكية، التي أثبتت فعاليتها في التصدي لظاهرة التغير المناخي وتداعياته. قد تكون دعوة الصين في النهاية أمرا روتينيا، وهي على الأغلب كذلك، وقد تكون رسالة مبطنة منها إلى شعبها والعالم، كما حلل البعض، حول استعداداتها في حال اندلاع حرب مع تايوان في ظل تصاعد حدة التوتر بينهما، لكن كان على حكومتنا التعامل مع الأمر بتوضيح أكبر عن واقع الحال لدينا، وذلك من باب تطمين المواطن أن كل ما يقع في حياته اليومية هو على رادار الحكومة وفي صلب عملها. ولعل قادم الأيام يحمل شيئا من ذلك حول الكثير من المواضيع الأخرى، الحالية أو المقبلة. (الغد)
مشاركة :