أبي أحمد يدعو إلى تقديم "التضحيات" من أجل إنقاذ البلاد

  • 11/6/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أديس أبابا - تسيطر حالة من الغموض والخوف على سكان العاصمة الإثيوبية، والكثيرون يفرون من العنف في إقليم أمهرة المتاخمة لها مع زحف المتمردين نحو أديس أبابا لإسقاط حكومة أبي أحمد الذي غرّد السبت قائلا إن إثيوبيا يجب أن تكون مستعدة "لتقديم تضحيات" من أجل إنقاذ البلاد. وفي الشمال، يقف تحالف المتمردين، المكون من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وجيش تحرير أورومو، على بعد أقل من 400 كيلومتر عن العاصمة التي يبلغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة، وفي الشرق يريدون قطع طريق الإمدادات الذي يصل المدينة بالميناء المهم في دولة جيبوتي المجاورة. ويتساءل الناس متى ستسقط العاصمة، خلال أيام، أم أسابيع ،أم شهور؟ وماذا بعد؟ إنه انهيار مذهل لبلد لطالما كان دعامة للاستقرار في شرق إفريقيا. وكتب أبي أحمد في رسالة قصيرة على تويتر "هناك تضحيات يجب تقديمها لكن هذه التضحيات ستنقذ إثيوبيا"، مضيفا "واجهنا المحن والعقبات وهذا جعلنا أقوى ... لدينا حلفاء أكثر من الذين انقلبوا علينا". من جهته، أكد مكتب الاتصالات الحكومية في تغريدة على تويتر أن "شرف لنا أن نموت من أجل سيادتنا ووحدتنا وهويتنا. لا انتماء إلى إثيوبيا من دون تضحيات". تأتي هذه التصريحات غداة إعلان تحالف من تسع منظمات متمردة من مختلف المناطق والأعراق في إثيوبيا، حول جبهة تحرير شعب تيغراي التي تقاتل القوات الحكومية. وتهدف هذه "الجبهة الموحدة" إلى "قلب نظام" أبي أحمد كما أعلن ممثل الجبهة برهان جبرخريستوس عند توقيع هذا التحالف في واشنطن. في نهاية الأسبوع الماضي، أعلنت جبهة تحرير تيغراي مسؤوليتها عن الاستيلاء على بلدتين إستراتيجيتين في منطقة أمهرة حيث تقدم مقاتلوها بعد استعادة معقلهم تيغراي في يونيو. وقالت جبهة تحرير شعب تيغراي الأربعاء إنها وصلت إلى منطقة كيميسي على بعد 325 كيلومترا شمال العاصمة أديس أبابا ، حيث انضمت إلى جيش تحرير أورومو المجموعة المسلحة لاتنية أورومو. ولم تستبعد المنظمتان الزحف إلى أديس أبابا. إعلان مشترك في الأمم المتحدة نفت الحكومة التي أعلنت الثلاثاء حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، أي تقدم كبير للمتمردين وأي تهديد للعاصمة، مؤكدة أنها ستنتصر في هذه "الحرب الوجودية". وانتقدت المتحدثة باسم رئيس الوزراء بيلين سيوم "خطابا مثيرا للقلق" الجمعة أججته "معلومات مضللة" من جبهة تحرير شعب تيغراي تهدف إلى خلق "شعور زائف بانعدام الأمن". ولا يزال المعسكران صامتين عن الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار والمفاوضات التي نقلها المبعوث الأميركي للقرن الإفريقي جيفري فيلتمان الموجود في العاصمة الإثيوبية. في مواجهة هذا التصعيد طلب عدد من السفارات بينها بعثات الولايات المتحدة والسعودية والسويد والنروج من رعاياها مغادرة إثيوبيا. ودعا مجلس الأمن الدولي الجمعة إلى "إنهاء القتال والتفاوض على وقف دائم لإطلاق النار" في بيان مشترك نادر منذ بدء القتال قبل عام. وفي الرابع من نوفمبر 2020، أرسل أبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2019، الجيش إلى تيغراي لإقصاء سلطات المنطقة المنبثقة عن جيش تحرير شعب تيغراي التي اتهمها بمهاجمة قواعد عسكرية. وأعلن انتصاره في 28 نوفمبر. لكن في يونيو، استعاد مقاتلو الجبهة معظم مناطق تيغراي وواصلوا هجومهم في منطقتي عفر وأمهرة المجاورتين. خطة تصعيد أدى القتال الذي تسبب بسقوط آلاف القتلى ونزوح مئات الآلاف إلى إغراق شمال البلاد في أزمة إنسانية عميقة. وتقول الأمم المتحدة إن 400 ألف شخص على الأقل باتوا على حافة المجاعة في تيغراي حيث لم تتمكن من إيصال مساعدات منذ 18 أكتوبر. كما أدى النزاع إلى تفاقم الخلافات العرقية، خصوصا على شبكات التواصل الاجتماعي حيث تنتشر الخطب الحربية والدعوات إلى الكراهية. وأعلن موقع تويتر السبت أنه "عطّل مؤقتا" في إثيوبيا زاوية "الموضوعات المتداولة" التي تضم أكثر التغريدات انتشارا حول موضوع ما، بسبب "التهديد الوشيك بحدوث اعتداءات جسدية". وقالت الشبكة إن "التحريض على العنف أو تجريد الناس من إنسانيتهم مخالف لقواعدنا". من جهتها أعلنت شركة "ميتا" الأم لفيسبوك الأربعاء أنها حذفت رسالة لأبي أحمد أرسلت الأحد وتدعو إلى "دفن" جبهة تحرير شعب تيغراي. وأدى إعلان حالة الطوارئ إلى سلسلة من العمليات الأمنية. ودانت منظمة العفو الدولية هذه الإجراءات الطارئة التي تشكل برأيها "خطة لتصعيد انتهاكات حقوق الإنسان". وقال محامون إن آلافا من التيغراي اعتقلوا منذ الثلاثاء، بينما تؤكد السلطات أنها لا تستهدف سوى أنصار جبهة تحرير شعب تيغراي. نيروبي - أعلنت تسع فصائل مناهضة للحكومة في إثيوبيا عن سعيها لتشكيل تحالفا مما يفرض مزيدا من الضغط على رئيس الوزراء أبي أحمد مع زحف قوات المتمردين نحو العاصمة أديس أبابا. وقد يحتاج أبي أحمد للبحث عن تحالفات داخلية وخارجية لمنع تفكك بلاده. وهذا ما يفسر الدعوة للتعبئة العامة وإعلان السلطات الإثيوبية حالة الطوارئ في عموم البلاد. يحمل التحالف اسم الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكونفيدرالية الإثيوبية. ويضم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التي تقاتل حكومة أبي أحمد منذ عام في حرب أودت بحياة الآلاف وأجبرت أكثر من مليونين على النزوح. وهناك عدد من الفصائل لديها مقاتلون مسلحون، لكن ليس من الواضح إن كانت جميعها كذلك. وأكدت جماعتان منها هما جيش تحرير أورومو وحركة أجاو الديمقراطية صحة الإعلان. وقالت الجماعات إن الجبهة تشكلت "للتصدي للأضرار الوخيمة المترتبة على حكم أبي على الشعوب في الداخل والخارج" و"إقرارا بضرورة التعاون وتوحيد القوات للتحرك صوب انتقال آمن". وردا على سؤال من رويترز بشأن التحالف الجديد المناهض للحكومة أشارت بيلين سيوم المتحدثة باسم أبي أحمد إلى تعليق نشرته على موقع تويتر الذي تدافع فيه عن حكم أبي منذ توليه السلطة في 2018 عقب موجة احتجاجات مناهضة للحكومة. وأعيد انتخاب حزبه في يونيو. وتقول سيوم في المنشور "أتاح فتح المجال السياسي قبل ثلاثة أعوام فرصة كبيرة للمتنافسين لتسوية خلافاتهم عبر صندوق الانتخابات في يونيو 2021". ولم تشر إلى التحالف بشكل مباشر. اتحاد التيغراي والأورومو تحالفت جبهة تحرير تيغراي مع جيش تحرير أورومو منذ أغسطس الماضي. وقال حينها زعيم جيش تحرير أورومو كومسا ديريبا، المعروف أيضا باسم “جال مارو”، في مقابلة مع وكالة أسوشيتيد برس، “سيكون هناك تحالف كبير ضد نظام أبي أحمد” بالرغم من أن المظاهرات العارمة التي قادها الأورومو كانت السبب الرئيسي في سقوط حكم التيغراي وصعود أبي أحمد إلى السلطة في 2018. وينتمي جيش تحرير أورومو إلى أكبر عرقية في البلاد. ويحتضن إقليم أورومو العاصمة أديس أبابا. وينحدر منه رئيس الوزراء آبي أحمد، من جهة أبيه. ويضم جيش أورومو آلافا من العناصر المسلحة. وتنتشر معسكراتهم في المنطقة الغربية من إقليم أورومو وأواسط منطقة شيوا (شمال أديس أبابا) ويسيطرون منذ سنوات على بعض المحافظات الغربية. وجيش تحرير أورومو يمثل الجناح العسكري للجبهة، التي عاد قادتها من المنفى بعفو من آبي أحمد، في 2018 مقابل تخليهم عن المعارضة المسلحة. لكن الجناح العسكري انفصل عن الحزب بعدما حدث خلاف عميق مع الحكومة حول دمج قوات الحركة في الجيش الاتحادي، بينما وضعت السلطات زعيم الحزب داؤد أبسا تحت الإقامة الجبرية بالمنزل منذ ثلاث سنوات. مؤخرا أكدت حبهة تحرير تيغراي وجيش تحرير أورومو أنهما في بلدة كميسي في ولاية أمهرة على بعد 325 كيلومترا من العاصمة. وذكرت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي الثلاثاء أن قواتها تقترب من بلدة ميلي الأمر الذي سيمكنها من قطع الطريق السريع الذي يربط بين العاصمة الإثيوبية ودولة جيبوتي المجاورة. في أغسطس الماضي، فتح متمردو التيغراي عدة جبهات قتال شرقا وغربا وجنوبا، لكن الهجوم المعاكس للجيش الاتحادي أوقف زحفهم، بل واستعاد مناطق واسعة في إقليم العفر، وأجبرهم على التراجع بعيدا عن مدينتي غوندار وبحر دار، بل وكاد الجيش الاتحادي أن يستعيد لالبيلا. وفي أكتوبر الأول الماضي، استغل الجيش الإثيوبي هيمنته على سماء المعركة دون منازع لتوجيه غارات جوية على "القواعد الخلفية" للمتمردين في إقليم تيغراي. كما شدد حصاره على الإقليم، الذي يقطنه نحو 400 ألف نسمة يوجدون على حافة المجاعة، بحسب تقارير لمنظمات إنسانية. وفي محاولة لكسر الحصار ونقل المعركة إلى الطرف الآخر، ركز متمردو التيغراي هجومهم على الجبهة الجنوبية بدل القتال على جبهات متعددة، فسيطروا في 17 أكتوبر على بلدة ووشال وتساقطت في طريقهم إلى ديسي عدة بلدات وقرى صغيرة. ومع نهاية أكتوبر، وصل المتمردون إلى مشارف ديسي وخاضوا معارك ضارية مع القوات الاتحادية والمليشيات الأمهرية أخذت طابع الكر والفر، واستمات الطرفان للسيطرة عليها. وتضاربت الأنباء بين تأكيد المتمردين سيطرتهم على ديسي ونفي حكومي، إلا أنه في 2 نوفمبر الجاري، تأكد سقوط ديسي، خاصة بعد إعلان الحكومة قتل المتمردين لـ100 شاب في كومبولشا، ما يعني اعترافا ضمنيا بسقوط ديسي. ومدينة ديسي هي ثالث أكبر مدينة في إقليم أمهرة. وتكمن أهميتها الإستراتيجية في وقوعها على الطريق A2 الرابط بين إقليم تيغراي وأديس أبابا، كما أنها قريبة من الطريق الدوليA1، الذي تمر منه نحو 95 بالمئة من الصادرات الإثيوبية نحو ميناء جيبوتي. وسيطرةُ متمردي تيغراي على ديسي إلى جانب مدينة كومبولشا (25 كلم جنوب شرق ديسي) تعني أن المنطقة الشرقية لإقليم أمهرة أصبحت ساقطة عسكريا، خاصة بعد إعلان الأرومو سيطرتهم على عدة بلدات صغيرة على الطريق المؤدي إلى أديس أبابا. ومع التحام متمردي التيغراي مع حلفائهم من الأورومو، فإن الهدف المقبل سيكون قطع الطريق الدولي مع جيبوتي، للسماح بوصول المساعدات الإنسانية من الخارج إلى الإقليم. كما لم يُخف متمردو الأورومو رغبتهم في السيطرة على أديس أبابا "خلال أشهر إن لم تكن أسابيع"، بحسب أودا طربي، الناطق باسم جيش تحرير أورومو. وخلال هذه الفترة من المتوقع أن يسعى تحالف التمرد لتطويق العاصمة من الشمال والشرق ومن الغرب أيضا حيث توجد معاقل ممزقة لمتمردي جيش أورومو، لكنها الأقرب إلى أديس أبابا. ولم يعد يفصل متمردي التيغراي والأورومو عن أديس أبابا سوى مدينة ديبري برهان (58 ألف نسمة) وبعض البلدات الصغيرة مثل ديبري سينا، التي قد تعد الهدف المقبل للمتمردين. البحث عن دعم دولي توجد حكومة آبي أحمد في وضع جد حرج أمام زحف تحالف متمردي التيغراي نحو العاصمة والتحامهم مع جيش تحرير أورومو. ويعكس إعلان حالة الطوارئ التي صادق عليها البرلمان صعوبة الموقف في العاصمة. إذ تسعى الحكومة لتجنيد مزيد من الشباب القادر على حمل السلاح لمواجهة زحف المتمردين، لكن هذا التكتيك وإن حقق بعض النجاح في وقت سابق، إلا أن آلاف الشباب محدودي الخبرة القتالية قد لا يكون كافيا لمواجهة متمردي التيغراي، الذين سبق لهم وأن خاضوا حرب عصابات ضد نظام منغستو هيلا مريام (1974-1991) وحكموا البلاد بعده لقرابة ثلاث عقود (1991-2018). لذلك سيسعى الجيش الإثيوبي لتكثيف غاراته الجوية ضد المتمردين، خاصة في معاقل تحشيدهم ومخازن الذخيرة والأسلحة في الشمال، وقطع خطوط إمدادهم، التي بدأت تطول نحو الجنوب لمئات الكيلومترات عن معقلهم في ميقلي. وليس من المستبعد أن تلجأ أديس أبابا للتحالف مجددا مع إريتريا، لشن هجوم مضاد من الشمال على إقليم تيغراي، لدفع المتمردين إلى التراجع للخلف والدفاع عن عاصمتهم ميقلي. إذ لعب الجيش الإريتري، في نوفمبر 2020، دورا مهما في سقوط إقليم التيغراي سريعا، في يد القوات الحكومية وبأقل الخسائر، لكنه اليوم يقف موقف المتفرج، ما سمح لمتمردي التيغراي الزحف جنوبا. السيناريو الآخر، أن تستعين أديس أبابا بمرتزقة أجانب وهو ما لمح إليه آبي أحمد حيث قال إن أعداء بلاده "يحاولون فرض سيناريو عليه مماثل لذلك الذي مرت به سوريا وليبيا". إذ أن آبي أحمد قد يجد نفسه في مرحلة ما مضطرا للخيار بين اللجوء إلى الاستعانة بمرتزقة أجانب أو إقامة تحالفات مع دول الجوار وحتى دول إقليمية لوقف تقدم المتمردين، وإما الجلوس إلى طاولة الحوار مع المتمردين، وحينها سيكون مجبرا على تقديم تنازلات مؤلمة للوصول إلى السلام.

مشاركة :