شهد مسار سن قانون يجرم الاستعمار الفرنسي في الجزائر تعثراً، بسبب تحفظ برلمانيي حزبين مؤيدين للسلطة، وكتلة المستقلين. وفي غضون ذلك استبعد الرئيس عبد المجيد تبون، في حوار مع صحيفة ألمانية، أن يبادر بخطوة من جانبه، تجاه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد إنكاره «وجود أمة جزائرية» قبل الاحتلال عام 1830، وعدّ تصريحه «خطيراً جداً». وأفاد أعضاء بـ«المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الأولى)، لـ«الشرق الأوسط»، بأن مسعى تجريم الاستعمار الفرنسي عن طريق القانون، الذي بدأ في الأول من الشهر، يشهد تعطيلاً بسبب رفض نواب «جبهة التحرير الوطني»، و«التجمع الوطني الديمقراطي» وكتلة المستقلين، الالتحاق بالمسعى. ويمثل هؤلاء مجتمعين أكثر من 50 في المائة من مقاعد البرلمان. وبرر المتحفظون على المبادرة، التي أطلقها إسلاميو «حركة مجتمع السلم»، موقفهم بكونه «لا يحظى بإجماع في الطيف السياسي». ويفهم من ذلك أن أعلى السلطات لا ترغب في رفع درجة التوتر في خلافها مع فرنسا، الذي بدأ منذ نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، وذلك عندما شكك الرئيس ماكرون في «وجود أمة جزائرية قبل 1830»، بذريعة أنها كانت محتلة من طرف الأتراك قبل الغزو الفرنسي. ولثاني مرة يتم تعطيل خطوة إدانة الاستعمار كجريمة ضد المواطن الجزائري بوساطة قانون. وكانت المحاولة الأولى التي بادر بها برلماني من «جبهة التحرير» في 2010، كرد فعل على قانون فرنسي يتناول «الجوانب الحضارية للوجود الفرنسي في شمال أفريقيا خلال القرنين 19 و20»، وأوصى واضعوه بإدراج هذه المعاني في المقرر الفرنسي. غير أن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة رفض سن «قانون التجريم» لأسباب فسّرها مراقبون بـ«العلاقات الشخصية والمصلحية القوية لرجال السلطة في الجزائر مع المسؤولين الفرنسيين». في سياق ذلك، قال الرئيس تبون في مقابلة مع الصحيفة الألمانية «شبيغل»، نشرت الجمعة حول احتمال حدوث انفراج في العلاقات الجزائرية - الفرنسية، إنه لن يكون الأول الذي يخطو الخطوة، «لأنني في هذه الحالة سأخسر كل الجزائريين... لن تجد جزائرياً واحداً يوافق على أن أتواصل مرة أخرى مع مَن صدرت عنهم شتائم». في إشارة إلى التصريحات المثيرة لماكرون، بمناسبة لقاء جمعه بقصر «الإليزيه» مع شباب فرنسيين من أصول جزائرية، وآخرين مزدوجي الجنسية، جاء فيها «أنا مفتون برؤية قدرة تركيا على جعل الناس ينسون تماماً الدور الذي لعبته في الجزائر، والهيمنة التي مارستها»، وشرح أن «الفرنسيين هم المستعمرون الوحيدون. وهو أمر يصدقه الجزائريون». كما حمل ماكرون بشدة على «النظام العسكري» في الجزائر، وقال إن تبون «محتجز لدى نظام شديد التصلب»، ما أثار غضباً شديداً في الجزائر، وكان من نتائجه منع الطيران الحربي الفرنسي، الذي يخوض مهام عسكرية في مالي، من عبور الأجواء الجزائرية، وسحب السفير من باريس، وفسخ عقود شركات فرنسية عاملة بالجزائر. وجاء كلام ماكرون عن الجزائر، في سياق خلاف حاد حول رفض الجزائر تسلم العشرات من رعاياها المهاجرين غير النظاميين في فرنسا. وأكد تبون لـ«شبيغل» أن الأزمة التي نشبت مع فرنسا «مشكلة وطنية، وليست مشكلة رئيس الجمهورية»، مبرزاً أن ماكرون «أحدث جرحاً في كرامة الجزائريين». واتهمه بـ«إعادة إنتاج» خطاب المرشح المفترض للانتخابات الرئاسية الفرنسية المرتقبة، اليميني إيريك زمور، وهو خطاب يقوم على معاداة الإسلام والمهاجرين، حسب تبون. كما ظهر الرئيس متشائماً بخصوص مستقبل العلاقة مع فرنسا، معتبراً أن حل الأزمة «لن يكون غداً». وبخصوص حظر تحليق الطائرات العسكرية الفرنسية فوق الجزائر، ذكر تبون أن القرار نهائي. وسيكون عليهم قطع المسافة إلى مالي والنيجر في مدة لا تقل عن 9 ساعات بعد أن كانت 4 ساعات فقط قبل الأزمة. لكنه قال إن الجزائر ستتعاون معهم في حال إجلاء جرحى من الساحل، حيث توجد القوات الفرنسية، «غير أنه من الطبيعي أن يتوقف التعاون (العسكري) في الأشياء الأخرى».
مشاركة :