وقّعت الحكومة الباكستانية على اتفاق آخر مع "حركة لبيك باكستان" بعد احتجاجات أطلقتها هذه الجماعة على مر أسبوعَين وأسفرت عن مقتل عدد من رجال الشرطة وتكبّد خسائر اقتصادية هائلة. رفضت الحكومة الكشف عن تفاصيل الصفقة مع تلك الجماعة المحظورة، وفضّلت عدم الإعلان عن الاتفاق رسمياً خوفاً من الانتقادات والضغوط الدولية المحتملة، ويبدو أن الحكومة وافقت على طلب "حركة لبيك باكستان" للسماح لها بالعمل كحزب سياسي عادي. هذا الاتفاق ليس مفاجئاً، فحين اندلعت الاحتجاجات، كان متوقعاً أن تضطر الحكومة لعقد شكلٍ من الاتفاقيات مع "حركة لبيك باكستان" لإنهاء التظاهرات القائمة، لكن لم يكن متوقعاً أن تستسلم الحكومة للحركة لدرجة أن تمنحها هذا القدر من الصلاحيات لسحبها من الشارع، كانت احتجاجات "حركة لبيك باكستان" الأخيرة كافية لاستخلاص بعض الدروس. أبرمت حكومة عمران خان للتو صفقة مع حركة تحظرها قوانين مكافحة الإرهاب الباكستانية، على غرار "القاعدة" و"حركة طالبان باكستان"، وحُظِرت "حركة لبيك باكستان" في شهر أبريل من هذه السنة، حين أطلقت احتجاجات عنيفة بعد اعتقال زعيمها. في الأسبوع الماضي، أعلن وزير الإعلام فؤاد شودري أن الحكومة اتخذت "قراراً سياسياً واضحاً يقضي باعتبار "حركة لبيك باكستان" المحظورة تنظيماً عسكرياً من الآن فصاعداً"، وبعد أيام على ذلك التصريح، شكرت الحكومة الحركة لأنها توصلت معها إلى اتفاق معيّن واعتبرت هذا التطور إنجازاً للإسلام وباكستان. نجحت "حركة لبيك باكستان" نسبياً في نقل رسالة مفادها أن الحكومة المُنتخَبة كانت مسؤولة عن عدم احترام الاتفاق المبرم معها، وبالتالي يُفترض أن تتحمل مسؤولية الفوضى التي رافقت الاحتجاجات الأخيرة، ويوم الاثنين الماضي، قال المفتي منيبور رحمن، وهو رجل الدين الذي سهّل المحادثات بين الحكومة و"حركة لبيك باكستان"، إن بعض وزراء الحكومة ضلّل البلد لإقناعه بأن "حركة لبيك باكستان" تريد طرد السفير الفرنسي وإغلاق السفارة الفرنسية في باكستان، ثم تساءل: "كيف يمكن بناء الثقة إذا كان المسؤولون الحكوميون ينشرون الأكاذيب علناً"؟ في الأسبوع الماضي أيضاً، قال وزير الداخلية، الشيخ راشد أحمد، إن الحكومة عالجت جميع المشاكل مع "حركة لبيك باكستان"، باستثناء مسألة طرد السفير الفرنسي من باكستان. خلال المرحلة الأخيرة من المحادثات، لم تنجح الحركة في إقالة راشد من لجنة التفاوض الحكومية فحسب، بل إنها أخضعت الحكومة المدنية بالكامل، ولم تتقدم المفاوضات أو تُحقق النجاح إلا بعد تدخّل قيادة الجيش. يوم الأحد، اجتمع عدد من أبرز رجال الدين المحليين، منهم المفتي منيبور وبشير أحمد فاروقي، مع قائد الجيش، الجنرال قمر جاويد باجوا، لمناقشة هذه المسألة بالذات، فنَسَب أحد رجال الدين الذين قابلوا باجوا نجاح المفاوضات إلى دور الوساطة الذي لعبه الجنرال، فبرأي الكثيرين، تثبت هذه الأحداث مجدداً أن سطوة الدولة في باكستان تخضع للتفاوض دوماً بين النخبة الأمنية ورجال الدين فيما تكتفي الحكومة المُنتَخبة بالوقوف على الهامش. لقد حوّلت "حركة لبيك باكستان" الطائفة البريلوية إلى جماعة تحظى بدعمٍ واسع وتستطيع أن تتسلم الدولة خلال وقتٍ قصير. كان توسّع نفوذها على الساحة السياسية مبهراً، ففي عام 2018، احتلت "حركة لبيك باكستان" المرتبة الثالثة في انتخابات جمعية البنجاب، وتفوّقت بذلك على "حزب الشعب الباكستاني"، ثم تضاعفت الأصوات التي حصدتها الحركة بعد كل احتجاج واعتصام، وقد تُحقق هذه الجماعة نتائج أفضل خلال الانتخابات المقبلة. بالنسبة إلى "حركة لبيك باكستان"، تُعتبر الاحتجاجات الأخيرة محاولة جديدة لمضاعفة الأصوات التي تحصدها في أنحاء باكستان، فهي تتطلع إلى الانتخابات الحكومية المحلية المرتقبة ثم الانتخابات العامة في نهاية المطاف، وخلال الأشهر المقبلة، قد ينضم قادة سياسيون من البنجاب والسند إلى "حركة لبيك باكستان" للفوز بأصوات المتدينين المتطرفين داخل الحركة التي تشهد توسعاً هائلاً. تطرح "حركة لبيك باكستان" خطاباً عنيفاً، لكن قد يكون هذا الجانب بالذات السبب الكامن وراء توسّع نفوذها على الساحة السياسية في باكستان، إذ ينجم هذا الوضع عن فشل النخبة الباكستانية الحاكمة في التعامل بجدّية مع التحذيرات التي تخضع لنقاشات واسعة بشأن اعتبار الثقافة المتشددة في باكستان تهديداً أمنياً. بدأت ثقافة التشدد تتوسع في باكستان، ولا أحد يحمل أي نوايا أو خطط لمعالجة هذه المشكلة في أي وقت قريب. *عمير جمال
مشاركة :