هل ينزلق العراق إلى حرب شيعية شيعية أم إلى توافق بالإكراه؟

  • 11/8/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بغداد - ماذا بعد محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي؟، سؤال بات ملحا في خضم توترات لا تهدأ مستحضرا معه كل مفردات العنف والعنف المضاد وحرب أهلية شيعية شيعية مع دعوات محلية ودولية أشدّ إلحاحا بضبط النفس. والواضح أن المشهد في العراق بات منفتحا على أكثر من سيناريو يبدو أشدها قتامة عودة مسلسل العنف والاغتيالات أو حرب شيعية شيعية على خلفية نتائج انتخابات منحت التيار الصدري أكبر عدد من المقاعد بينما يتحرك زعيمه مقتدى لتشكيل حكومة، بينما يرغب على أرجح التقديرات أن يستثني منها المكون الشيعي الخاسر (في الانتخابات) والذي هيمن لأكثر من 15 عاما على منظومة الحكم المتهمة بالفساد. والوضع بتجلياته الراهنة بما في ذلك محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي تحمله الميليشيات والأحزاب الموالية لإيران والتي بات نفوذها على المحك بعد خسارتها في الانتخابات التشريعية المبكرة، ما اعتبرتها عمليات تزوير لنتائج الانتخابات، قد يكون أقصى حدّ ممكن للتصعيد من أجل انتزاع مناصب وزارية في الحكومة القادمة. الصدر الذي جرب كل الوسائل للوصول للسلطة بداية باحتكامه للسلاح ثم للشارع وصولا إلى المهادنة البراغماتية تحت عنوان حماية المصلحة الوطنية، لا يرغب بدوره في أن تتحول التجاذبات والحرب الكلامية والتهديدات إلى مواجهة مسلحة قد تعيده إلى المربع الأول. والأرجح أنه سيذهب في نهاية المطاف إلى تشكيل حكومة توافق وطني واختيار شخصية توافقية، فيما يبقى السؤال الملح هو هل يتم التجديد للكاظمي على رأس الحكومة القادمة. وعلى وقع توتّر سياسي مرتبط بنتائج الانتخابات النيابية التي لم تحسم بعد، تعرّض منزل رئيس الحكومة فجر الأحد لهجوم بطائرة مسيرة مفخخة وصفته السلطات بـ"محاولة اغتيال فاشلة". ما حيثيات هذا الهجوم الذي قوبل بتنديد محلي ودولي، وما قد تكون تداعياته المحتملة؟ هل يعني ذلك مزيدا من العنف أو عودة إلى المربع الأول سياسيا بعد انتخابات شهدت نسبة مقاطعة قوية وانتهت بتراجع في حجم الكتلة النيابية الموالية للحشد الشعبي في البرلمان، وفق النتائج الأولية؟ وما هو السياق الذي وقعت فيه محاولة الاغتيال؟ يرى خبراء أن الهجوم الذي لم تتبناه أي جهة لا ينفصل عن التطورات المرتبطة بنتائج الانتخابات التي تعترض عليها كتل سياسية ممثلة لفصائل موالية لإيران منضوية في معظمها تحت الحشد الشعبي. وسرعان ما بادرت تلك القوى التي خسرت ثلث مقاعدها في البرلمان الجديد، بالتنديد بحصول "تلاعب" و"احتيال" في نتائج العملية الانتخابية، وحمّلت الحكومة مسؤولية "التزوير"، ما أثار مخاوف من ردود أفعال وعنف. على الجبهة السياسية وقبل يوم من وقوع الهجوم على منزل الكاظمي، كان زعيم التيار الصدري الذي حاز أكبر عدد من المقاعد في البرلمان (أكثر من 70، وفق النتائج الأولية)، يقوم بجولات تفاوضية مع قوى سنية وشيعية في بغداد. ولم يلتق الصدر ممثلين عن فصائل الحشد الشعبي. ويشير الباحث في مركز "تشاثام هاوس" للدراسات ريناد منصور إلى أن مقتدى الصدر كان "يسعى إلى تشكيل غالبية حكومية تستثني بعض الأطراف الذين يملكون نفوذا وقوة بالغة" على غرار فصائل الحشد الشعبي، مضيفا "في هذا السياق، هم يردون قائلين: لا يمكن استبعادنا، لأن هذا ما نقدر عليه، ويمكننا أن نعرقل". وتصاعد الضغط قبل يومين من محاولة الاغتيال. وتقول الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية لهيب هيغل إنها "كانت خطوات محسوبة" في البداية، فقد "استخدم الطرف الموالي لإيران الخاسر في الانتخابات تكتيكات مختلفة للضغط في عملية تشكيل الحكومة، عبر القول إن نتائج الانتخابات مزورة والضغط عبر الشارع ومحاولة اقتحام المنطقة الخضراء" المحصنة في وسط العاصمة. وقبل الهجوم على منزل رئيس الحكومة، وقعت صدامات بين معتصمين مطالبين بإعادة فرز الأصوات وقوات الأمن إثر تصديها لمحاولاتهم اقتحام المنطقة الخضراء حيث المقرات الحكومية وسفارات أجنبية منها السفارة الأميركية. وأقيم مجلس عزاء لضحيتين قيل إنهما سقطتا في ساحة الاعتصام الذي شارك فيه قياديون بارزون في الحشد الشعبي، لا سيما نائب رئيسه أبوفدك المحمداوي. وتوقف الباحث حمدي مالك في تغريدة على تويتر عند ما اعتبره "تهديدا واضحا" من قيس الخزعلي زعيم عصائب أهل الحق، أحد فصائل الحشد الشعبي، ضد الكاظمي، أعقب المواجهات في ساحة الاعتصام. وتوعّد الخزعلي بالردّ على مقتل المتظاهرين بالقول "أيها الكاظمي... دم الشهداء هو محاكمتك". ويضيف مالك أن ما يسمى بـ"قوى المقاومة"، وهو تعبير يستخدم لوصف الفصائل الموالية لإيران "هددت" قبل ذلك الكاظمي بهدف إسماع صوتها، قائلا "في الماضي، كانت رسالة تهديد. الليلة الماضية، كانت محاولة اغتيال". وليست المرة الأولى التي تستخدم فيها طائرات مسيرة في هجمات داخل العراق. وبدأ استخدامها في هجمات ضدّ أهداف أميركية منذ ابريل/نيسان الماضي على الأقلّ وأكثر من مرة كان خلال الصيف، على أهداف في أربيل وبغداد وقاعدة عين الأسد العراقية التي تضمّ قوات أميركية. ويقول منصور "بات استخدام الطائرات المسيرة إستراتيجية شائعة لإرسال تحذيرات من جانب المجموعات المرتبطة بفصائل المقاومة". ولا يتم تبني هذه الهجمات عادة أو تعلن مسؤوليتها عنها أحيانا مجموعات مجهولة تطالب برحيل "المحتل الأميركي" أو تتوعد بـ"بالثأر" لمقاتلين قضوا في ضربات أميركية وتنسب إجمالا إلى فصائل موالية لإيران. وتقول الباحثة لهيب هيغل "أننا بلغنا على ما أعتقد الحدّ الأقصى من التصعيد". وما زال المعتصمون في خيامهم يطالبون بإعادة فرز كامل للأصوات، فيما أنهت المفوضية الانتخابية دراسة الطعون استعداداً لإعلان النتائج النهائية. وعلى الجبهة السياسية، توالت ردود الفعل المنددة بمحاولة الاغتيال. دوليا، قوبل الهجوم بحملة تنديد واسعة، لا سيما من الخصمين اللذين يتجاذبان النفوذ في العراق: واشنطن وطهران. وقد وصفها الرئيس الأميركي جو بادين بـ"الهجوم الإرهابي"، بينما دعت وزارة الخارجية الإيرانية إلى "اليقظة لإحباط المؤامرات الإرهابية". سياسيا، تتوقع هيغل العودة إلى الوضع الراهن نفسه الذي كان سائدا في الأيام الأولى التي تلت انتخابات لم يكن العديد من العراقيين يتوقعون أن تحدث أي تغيير، مضيفة أن الأطراف المعترضة على النتائج "عادت إلى حيث بدأت" إثر الهجوم على الكاظمي. وقالت "إنهم يخسرون الحرب الإعلامية ولا يبدو أنه لا يوجد انسجام في الرسائل المختلفة الصادرة عن تلك الفصائل"، لكنها تريد، رغم ذلك، تعزيز أوراقها قبل تشكيل الحكومة وبالتالي "قد تكون في نهاية المطاف جزءا من الحكومة، ربما ليس للدرجة التي حاولوا الدفع باتجاهها في ما يتعلق بالمناصب". وتوقعت هيغل "المزيد من الجهود للدفع نحو الحوار والتفاوض"، مضيفة أنه سوف "ينتهي المطاف بحكومة توافقية ومرشح توافقي. ما إذا كان سيكون الكاظمي أو لا، إنه لسؤال مفتوح". ويقول منصور "الخلاصة لكل هذا ستكون حكومة توافق وطني أخرى لأنه في نهاية الأمر، كل الأطراف، ولا سيما التيار الصدري، لا تريد عنفا يطول ويمكن أن يقود إلى حرب شيعية شيعية". بغداد – نقلت وكالة رويترز للانباء الاثنين عن مصادر مقربة من جماعات مسلحة في العراق قولها إن الهجوم بطائرة مسيرة على مقر إقامة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الأحد نفذته جماعة مسلحة واحدة على الأقل من التي تدعمها إيران. وتتمتع ايران بنفوذ سياسي وعسكري كبير في العراق. لكن الفصائل التابعة لها سجلت خسارة كبيرة في الانتخابات التشريعية التي اجريت في اكتوبر/تشرين الاول وفقدت العشرات من مقاعدها في البرلمان. ونجا الكاظمي دون ان يصاب بأذى من الهجوم الذي لم تعلن اي جهة مسؤوليتها عنه، لكن اغلب التوقعات تشير الى تورط الفصائل الخاسرة في الانتخابات والمنضوية ضمن قوات الحشد الشعبي الموالية لايران. وقالت المصادر مشترطة عدم الكشف عن هويتها إن الطائرات المسيرة والمتفجرات المستخدمة في الهجوم إيرانية الصنع. وقال مسؤولان أمنيان عراقيان وثلاثة مصادر مقربة من الجماعات المسلحة التي تدعمها إيران في العراق إن الهجوم ارتكبته واحدة على الأقل من تلك الجماعات، لكنهم قدموا تقييمات مختلفة قليلا بشأن أي الفصائل تحديدا. وقال المسؤولان الأمنيان إن كتائب حزب الله القوية وعصائب أهل الحق نفذتا الهجوم جنبا إلى جنب. وقال مصدر بجماعة مسلحة إن كتائب حزب الله متورطة وإنه لا يستطيع تأكيد دور العصائب. ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم، الذي أثار التوتر في العراق بعد أسابيع قليلة من الانتخابات العامة التي تشكك جماعات مسلحة مدعومة من إيران، منها كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، في نتائجها. الى ذلك، ذكرت وسائل اعلام عراقية الاثنين ان قائد قوة القدس في الحرس الثوري الايراني إسماعيل قاآني وصل العراق لعقد اجتماعات مع المسؤولين العراقيين وقادة الفصائل الموالية للجمهورية الاسلامية. ومنيت الأحزاب السياسية التي تمثل الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في البرلمان بهزائم ساحقة في انتخابات العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، وفقدت عشرات المقاعد التي سيطرت عليها لعدة سنوات.

مشاركة :