اضطجعت قليلاً في المسجد، ريثما يؤذن لفريضة العصر؛ إذ جاءني شاب أحدسه في عقده الرابع، سلّم علي، قائلاً -بتلعثم وحشرجة-: عذراً على الإزعاج، ثم أردف: ماذا يصنع المكروب .. وتابَع: ماذا يصنع من أغلقت في وجهه الأبواب؟! استويت جالساً، وقلت -متلعثماً؛ لأنه كان متلعثماً-: يدعو بدعوة نبي الله يونس (ذو النون) عليه السلام: “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”. هز رأسه، وقال: والله، إني وأهل بيتي، لم نجد ما نتقوت به منذ يومين! نظرت إليه، -ولم يكن معي شيئاً- وقلت له: أحسِن الظن بالله سبحانه، وفرَج الله قريب! قال: والله أني محسن الظن بربي، -والحمد لله- ولكن تعطلت الأعمال، كنت أعمل في شركة، فلما أقفلت، أقفلت علي الأبواب! انصرف، وفي قلبي من الحسرة واللوعة ما فيه، ولكن خير ما تعزيت به: الاسترجاع، والحولقة. لمحته اليوم الثاني، فابتسمت له، فجاءني يجرّ خطاه، ويتعطف محياه، وقال: عندي مصحف مجزّأ إلى ستة أقسام، هل تشتريه مني؟! أخرجه من جيبه، وأعطانيه. أخذته وقلّبته، ثم أرجعته إليه، وسألته عن ثمنه، إذا هو باعه -دون قصد الشراء-.. فأعطيته نحواً مما قال، والكل -علم الله- في حياء واستحياء! وقلت: اجعل المصحف معك! قال لي: طيب، أيش الفايدة، أعطى قيمته، بدون ما تأخذه؟! ثم قام متأبطاً المصحف الكريم، وهو يدعو ويشكر. هذه قصة، مرّت بي، ومررت بها، آذتني وأقذتني، فأردت إبداءها لبني الإنسان؛ ليشكر الله تعالى ويحمده من يملك قوت يومه، وفي الحديث، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حِيزت له الدنيا بأسرها). رواه البخاري في (الأدب المفرد) والترمذي، وحسنه الألباني، عن سلمة بن عبيد الله بن محصن الخطمي، وكانت له صحبة. ١٤٤٣/٢/٤ غرِّد شارك هذا الموضوع: انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة) انقر للمشاركة على WhatsApp (فتح في نافذة جديدة) اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة) انقر للمشاركة على Telegram (فتح في نافذة جديدة) اضغط للطباعة (فتح في نافذة جديدة)
مشاركة :