1. رفع المجتمع العربي -شأنه في ذلك شأن كثير من المجتمعات- من قيمة الإبداع الشعري.. لذلك صار الشعر ديوان العرب.. وعُلِّقت فرائد الشعِّر على أستار الكعبة بعد إقامة المنافسات له وللشعراء في أسواق العرب المشهورة التي كانت تتوافد عليها القبائل من كل حدب وصوب.. فصار الشاعر لسان القبيلة والمتحدث باسمها الذي تقدم به نفسها للمحيط وتوثق من خلال شعره تاريخها.. فلم يزاحم الشعر والشعراء أحد طوال التاريخ العربي. 2. مقابل ذلك تم إغفال الإبداع السردي وحُرِم من أن يكون إبداعاً.. واستمرت الرواية مجرد حكاية لا يزيد دورها على التسلية ويسمى الراوي لها «حكواتي».. وإذا كان راوي الشعر له مكانة ومقام رفيع من الاحترام فالحكواتي لا يزيد على أن يكون مهرجاً مسلياً.. لذلك لم تستحق الروايات في التراث العربي حتى التدوين.. مما جعل قصصاً مثل «ألف ليلة وليلة» وسيرة عنترة بن شداد وأبو زيد الهلالي تدور في المجال الشفهي لقرون ولم تُدَوَّن إلا في مراحل متأخرة.. حتى إن من دَوَّنها لم يذكر اسمه على التدوين وكأنه يريد أن ينزه نفسه عن فِعْل مشين.. فلا أحد يعرف على وجه التحديد من الذي أبدع تلك القصص والسير ولا أحد يعرف من دَوَّنها.. إلى أن قامت المجتمعات الأوروبية في عصر النهضة بقراءة تلك المدونات السردية وأعادت اكتشافها وإعطاءها قيمتها التي تستحقها.. بما فيها من خيال وإبداع ورمزية وحكمة في مرويات فيها حبكة متقنة.. مما جعلها ذات قيمة عالية في التراث الإنساني.. فبدأ العرب بالتفاخر بها. 3. في زمننا المعاصر انزاح عن كاهل السرد وزر التلويث والإبعاد من دائرة الإبداع.. بل إننا نرى أن الرواية اليوم أصبحت هي ديوان العرب وليس الشعر.. فالشعر تعرض للتجزئة والتصنيف ولم يعد الشعراء والمهتمون بالشعر يتفقون على ما هو بشعر وما ليس بشعر.. بل إنهم لم يعودوا يتفقون على من هو الشاعر! ومن جهة أخرى أصبحت معارض الكتب تزخر بالروايات والمهتمين بها مقابل حضور ضعيف للشعر والشعراء وقلة من المهتمين. 4. الروائي في البيئات المنغلقة المتشددة أو في ظل الحكومات الدكتاتورية المستبدة.. لا يجد مفراً من أن يجعل شخوص وأبطال رواياته من بيئات أخرى.. أو يخترع مسميات خيالية رمزية.. وحتى تستطيع تفكيك رمزيتها يجب أن تدخل في ضمير الروائي ونواياه.. فلا تعود تقرأ الرواية بل تقرأ ما بين السطور وما خلفها.. وتحاول ربط كلمات شاردة في الرواية بخلفياتك عن كاتب الرواية.. حتى أسماء أبطال الرواية تصبح مهمة عسرة.. فالتشابه في الأسماء والحذر من الوقوع فيه يجعل الروائي يختار أسماء من خارج بيئة الرواية فتظهر الرواية كهجين غير ذات معنى.. كما سوف تجد أن نقاد الروايات قليلو الاتفاق فيما بينهم على الرواية الواحدة.. فمنهم من يراها فتحاً يستحق الاحتفاء والتمجيد.. وآخرون يرونها تافهة مسطحة غير مفهومة وأنها خارج نطاق المكان والزمان والأحداث.. وهكذا. 5. تختلف الرواية عن القصة القصيرة في أنها تعتمد على التجميع.. وتتوسع في الوصف.. وتُفسح مجالاً للاستطرادات وذكر الشواهد.. بمعنى أن الرواية كما يصفها كتاب الروايات تتابع النهر من النبع إلى المصب.. بعكس القصة القصيرة التي يكون فيها التركيز عالياً واللغة مكثفة.. وتهتم بدوامة واحدة على صفحة مياه النهر.. بمعنى أنه في القصة القصيرة لا مجال للاستطراد أو التوسع في الوصف.
مشاركة :