1 - المكان هو مقر الحكاية وميدان أبطال الرواية.. وهو الذي يحدد إطار أحداث الرواية من شكل أو حجم أو بيئتها من تضاريس أو مناخ.. فهو المدينة، والصحراء، والمستشفى، والسجن، والبيت، والمدرسة، والسوق، والمقهى.. وهو أيضاً الشمس أو الضباب أو المطر أو الرطوبة أو الحرارة أو البرودة. 2 - المكان يمكن أن يكون شخصية محورية في الرواية.. ومفتاحاً لحبكة القصة.. والمصباح الذي يلقي الضوء على الحدث برمته أشخاصاً وأحداثاً وأشياءً.. تأثيره نفسي وحسي.. فقد يثير الحنين أو الخوف.. وقد يتسلل إلى النفس بالألفة أو يصيبها بالتوتر.. المكان هو مسرح الرواية بقدر ما أن المكان هو مسرح الحياة. 3 - حضور «المكان» في الآداب الإنسانية أكبر بكثير من حضور بقية عوامل الحياة الأخرى.. لذلك نرى أن أهم القطع الإبداعية تعبر عن ذاكرة المكان ولا نراها بذات الغزارة تعبر عن العوامل الأخرى.. كما يختلف (المكان) في سرديات السيرة الذاتية فيكون واقعاً قائماً.. بينما هو في الرواية واقع متخيل. 4 - استخدم الرواة المكان كرمز أكثر منه فضاء للرواية.. هذا الرمز يحدد تضاريس أحداث الرواية ومناخها ونفسيات شخوصها والأحداث المتوقعة فيها.. مما يضفي على الرواية واقعية تفضي إلى المصداقية. 5 - المكان وسيلة تحدد بشكل مباشر اللغة، والعادات والتقاليد، والحالة الاقتصادية، والقيم والسلوكيات العامة، وطرق تفكير أهلها، وكيفية التعبير عن نفسها.. وأسلوبها المعماري وتصميم دروبها وشوارعها.. وهكذا.. دون الإغراق في الوصف الروائي. 6 - «الرواية هي ابنة مكانها» كما يتفق عليه المهتمون بهذا الجنس الأدبي الرفيع.. وهذا يؤثر على الوصف والسرد وحوار شخصيات الرواية.. فإذا كانت الرواية في الرياض مثلاً فإن السيارة شخصية أساسية في مجريات السرد في الرواية.. أما في لندن فإن المواصلات العامة هي الأساس.. تماماً مثلما أن الشمس هي الأساس في الرياض بينما الغيم والمطر في لندن هما الأساس وفيما عداه استثناء. 7 - المكان يمكن أن يكون خلفية للحدث.. لكن علاقته به لا تزيد على أن تكون علاقة هامشية.. وأحياناً يكون المكان هو السيد المتحكم في مسار الحدث وشريكاً فيه.. فهو الذي يحدد مسار الحكاية وتشكيل بناء الحبكة ويضفي صفة المعقولية على الرواية. 8 - المكان يمكن أن يكون واقعياً ويمكن أن يكون متخيلاً.. فإذا كان متخيلاً فلا بد من إثراء الرواية بمساحات وصفية كبيرة للمكان.. تشمل اللون وتفاصيل العمارة ومسارات الشوارع وتخطيط البيوت وشكل الأبواب والنوافذ.. إضافة إلى طبيعة الحياة وتأثير المناخ.. أما إذا كان المكان واقعياً كالقاهرة أو لندن أو دبي.. فالاسم يغنى عن سرد الكثير من التفاصيل. 9 - «المكان» في حقيقته واقع فيزيائي قائم.. لكنه في العقل يمكن أن يكون واقعاً متوهماً.. يعيش فيه السجين وكأنه في جنة.. ويعيش فيه الملك وكأنه في سجن. 10 - «للمكان» أسماء لا تدل على واقع فيزيائي قائم بل على وضع يصف حالة لا مكاناً.. مثل: الفضاء، والمهجر، والمنفى، والسجن، والمسجد، والمدرسة.. هنا تحدد الرواية أو السيرة الحالة وليس المكان.. فهي أسماء للمكان مهمتها تأطير الحدث المروي.. فغرفة المستشفى تتحول لدى المريض إلى سجن.. وذات الغرفة للأم التي ولدت طفلها للتو تتحول إلى قاعة رحمة وفرح. 11 - «المكان» هو المنطلق لتفسير التصرفات.. فالمكان للتربية والتعليم والتطبيب والترفيه والعقاب والعمل والعبادة.. وكلها تنعكس على شخصية الإنسان وتظهر في تصرفاته.. والإنسان يتلاحم نفسياً وعاطفياً وعقلياً مع المكان.. فهو مسرح حياته في البيت والشارع والمدرسة والسوق والمستشفى والمسجد.. لهذا يعد المكان مكوناً ثقافياً. 12 - «المكان» هو الذي يُظْهر البعد الاجتماعي والثقافي والمدني للأشخاص.. ويعد أحد أهم معايير القياس لحضارة المجتمعات ومدنيتها.. أو تخلفها وفقرها. 13 - «المكان» مكون عجيب في علاقته بالإنسان.. فهو ملجأ، وهو منفى، وهو عقاب، وهو ألم، وهو ملل.. وهو كل شيء يحرك مشاعر الإنسان ويؤثر في حياته.. فللمكان حضور طاغٍ في ذاكرة الفرد.
مشاركة :