رغم الكلفة العالية والمدمرة لأي حرب بين الولايات المتحدة والصين، تتزايد احتمالات انزلاق البلدين إلى مواجهة عسكرية عنوانها العريض تايوان، التي تعهدت واشنطن بحمايتها وبكين بضمها ولو بالقوة. بعد أن تراجعت الولايات المتحدة على ما يبدو عن سياسة الغموض الاستراتيجي تجاه تايوان، التي اتسمت بها إدارات متعاقبة، حيث صرح الرئيس جو بايدن أخيرا بأن واشنطن ستدافع عن الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي من أي هجمات محتملة من بكين، برزت علامات استفهام بشأن ما يعنيه بايدن. وقوبلت تلك التصريحات بردّ سريع من الصين، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية، وانغ وين بين، إنه «ينبغي على واشنطن أن تتصرف وتتحدث بحذر بشأن قضية تايوان». وقال مدير الأبحاث بمعهد DT الأميركي، الخبير الاستراتيجي د. بين كونابل، في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنتريست، إن خوض حرب مع الصين بشأن تايوان من شأنه أن يسفر عن خسائر فادحة، ويزعزع استقرار الاقتصاد العالمي، ويدمر معدات عسكرية أميركية تقدّر بمليارات الدولارات. ويضيف كونابل، وهو أستاذ مساعد للدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون أن تعرض الولايات المتحدة لهزيمة استراتيجية في أي حرب مع الصين سيكون احتمالا حقيقيا للغاية، على الرغم من أن القادة الصينيين يواجهون مخاطر مماثلة. ومع ذلك، فإن كلا من الولايات المتحدة والصين تتأهبان لخوض حرب. وأدلى بايدن بتصريحات دبلوماسية تصعيدية وأرسل مستشارين عسكريين إلى تايوان، في حين صعدت الصين مناوراتها العسكرية التهديدية. ورغم أن هذا النوع من سياسة حافة الهاوية مفيد للردع الاستراتيجي، فإنه محفوف بالمخاطر أيضا. ومن السهل أن تتورط الولايات المتحدة والصين في حرب شديدة الوطأة غير مخطط لها. ومع ذلك، لم يتضح على الإطلاق ما إذا كان أي من الجانبين مستعد نفسيا لمثل هذه الحرب. ولم يتم توضيح الأساس المنطقي لخوض حرب دفاعا عن تايوان، سواء للقوات المسلحة الأميركية أو الشعب الأميركي. فلماذا يجب أن يموت أميركيون من أجل تايوان؟ وليست هناك معاهدة تتطلب الدفاع عن تايوان، وهي الجزيرة التي لا تعترف بها الولايات المتحدة رسميا كدولة مستقلة. ويقول كونابل إن مطالبة الأميركيين بالموت دفاعا عن الديموقراطية التايوانية سوف يكون عملية من الصعب إقناع أحد بها في أعقاب الانسحاب الكارثي من أفغانستان. وبالنظر إلى حجة إدارة بايدن بأن الحفاظ على الديموقراطية الأفغانية لا يستحق أرواح الأميركيين، فلماذا يستحق الحفاظ على الديموقراطية التايوانية أرواح الأميركيين؟ ويضيف أنه قد يكون من الصعب الإجابة عن هذا السؤال دون الانجرار إلى مناقشات أخلاقية مقلقة قد ترغب إدارة بايدن في تجنّبها. ومن غير المرجح أن يصدر عن الحكومة في أي وقت قريب أساس منطقي أيديولوجي مقنع للحرب بشأن تايوان. ويقول كونابل إن الواقعية الجيوستراتيجية الباردة، على ما يبدو، هي الأساس الأكثر شيوعا للحجج المؤيدة للدفاع عن تايوان. ففي عام 2018، رجّح الخبيران جون ميرزيمر وستيفن والت أن الولايات المتحدة ستستفيد من الدفاع عن تايوان، لأنّ لديها موارد اقتصادية كبيرة، ويمكن استخدامها كـ «حاملة طائرات» عملاقة ضد الصين، وخوفا من أن يؤدي التخلي عن تايوان إلى تقويض مصداقية الولايات المتحدة في آسيا. وفي حين أن هذه الحسابات السياسية الواقعية قد تكون أو لا تكون حججا جيوستراتيجية راسخة، إلا أنها لن تحفز بالضرورة مئات الآلاف من الأفراد العسكريين الأميركيين ومئات الملايين من المدنيين لدعم حرب يمكن أن تؤدي إلى خسائر كبيرة في الأرواح وكارثة اقتصادية عالمية. ونظرا للسنوات العشرين الماضية من الأداء التكتيكي الأميركي القوي، قد يكون من الصعب على القادة السياسيين أو العسكريين الأميركيين أن يتخيلوا أن يرفض الأميركيون القتال. فلم يتعرّض الأميركيون لهزيمة تكتيكية خطيرة في ساحة المعركة منذ نهاية حرب فيتنام. ومع ذلك، لم يخُض الجيش الأمريكي حربا تشهد إطلاق نار كثيف مع خصم نظير له منذ الحرب العالمية الثانية. ثم يتساءل كونابل: هل المدنيون الأميركيون مستعدون لتحمُّل أعباء الحرب؟ ويقول إنه رغم أن معظم المدنيين الأميركيين يمكن أن يتجاهلوا بشكل عام الحربين في العراق وأفغانستان دون عواقب، فإنهم لن يكونوا بمعزل عن الحرب مع الصين. وعلى أقل تقدير، سيعاني الأميركيون في الداخل اضطرابا اقتصاديا حادا مع توقف التجارة مع الصين وغيرها من الدول الآسيوية. كما يمكن للأميركيين أن يتوقعوا حدوث اضطرابات مطولة في خدمات الإنترنت، حيث إن القراصنة الصينيين سيبذلون قصارى جهدهم لتعطيل السلاسل اللوجستية التجارية والعسكرية التي تغذي آلة الحرب الأميركية، وسوف يشارك جميع الأميركيين بشكل مباشر في حرب بشأن تايوان. ثم يتساءل كونابل: هل المدنيون الأميركيون مستعدون لدعم تعهد بايدن بالدفاع عن تايوان من هجوم صيني؟ ويجيب أنهم قد يفعلون ذلك في الظروف المناسبة، كما في أعقاب هجوم صيني غير مبرر على القوات العسكرية الأميركية. ويدلل الكاتب على ذلك باصطفاف الملايين من الأميركيين الذين لم يسمعوا قط عن بيرل هاربور على الفور في مراكز التجنيد العسكري بعد الهجوم الياباني المفاجئ في 7 ديسمبر 1941. كما أدت هجمات 11 سبتمبر التي شنّها تنظيم «القاعدة» إلى تدفق مماثل للدعم الوطني للحرب. ولكن بالنظر إلى الانقسامات الحالية في المجتمع الأميركي والثقافة الأميركية، ليس من الواضح على الإطلاق أنه يمكن لبايدن أن يعتمد على الأميركيين لدعم الحرب مع الصين بشأن تايوان. وبالمنطق نفسه، يتساءل كونابل: هل سيموت الشيوعيون الصينيون من أجل تايوان؟ ويقول إنه قد يكون القادة الصينيون واثقين بقدرتهم على غزو تايوان، وهزيمة القوات المسلحة التايوانية، ودرء هجوم مضاد أميركي، وتأمين مكاسبهم. ويضيف: «لكنهم يعرفون بالتأكيد أنهم سيعانون خسائر فادحة، ويرون أن الكثير من معداتهم العسكرية التي تم شراؤها حديثا قد أهدرتها الولايات المتحدة، ويضعف اقتصادهم في هذه العملية. وسوف تتضرر مبادرة الحزام والطريق الصينية الثمينة بشدة، حيث ستحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها قطع وصول الصين إلى صناعاتها الاستخراجية العالمية، التي تعتمد على الموارد الطبيعية. ويختتم كونابل تقريره بالقول إنه على أقل تقدير، وفي الوقت الذي يُصعد فيه بايدن من حدة التوترات الدبلوماسية، ينبغي عليه أن يفكر في سبل إعداد الجيش الأميركي والرأي العام لحرب، تبدو محتملة بشكل متزايد، رغم أنها ربما تكون غير مرغوبة من أي من الطرفين. في غضون ذلك حذرت وزارة الدفاع التايوانية أمس من أن الصين قادرة على إغلاق الموانئ والمطارات الرئيسية في تايوان، بغية قطع روابط الجزيرة مع الخارج، في وقت وصلت التوترات بين بكين وتايبيه إلى ذروتها. وأشارت الوزارة، في تقرير نصف سنوي صدر أمس، إلى أن بكين تعزز قدراتها على الضربات الجوية والبحرية والبرية على الجزيرة التايوانية، إضافة إلى احتمال «إغلاق موانئنا ومطاراتنا و(وقف) الرحلات الجوية المغادرة (من الجزيرة) وقطع قنوات اتصالنا البحرية والجوية». ونبه التقرير أيضا إلى قدرة الصين على ضرب الجزيرة بترسانتها الصاروخية، لاسيما الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، لافتا الى أن بكين تعزز قدرتها على شن هجمات برمائية ضد تايوان. وتعتبر بكين أن تايوان، البالغ عدد سكانها نحو 23 مليون نسمة، جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وتعهدت إعادة ضم الجزيرة يوما ما، بالقوة إذا لزم الأمر. وأضاف التقرير أن «المناورات المتكررة في المنطقة الرمادية» تهدف إلى «الاستيلاء على تايوان بدون قتال». و»المنطقة الرمادية» مصطلح يستخدمه المحللون العسكريون لوصف أعمال عدوانية تدعمها دولة ما، بدون أن يصل الأمر إلى حرب مفتوحة، وقد وصفها وزير الدفاع البريطاني بن والاس أيضا بأنها «المعبر بين السلام والحرب». وأكد وزير الدفاع التايواني في أكتوبر أن التوترات العسكرية مع الصين وصلت إلى ذروتها منذ أربعة عقود بعد عدد قياسي من الغارات الجوية في منطقة تحديد الدفاع الجوي للجزيرة.
مشاركة :