حملني خيالي الجامح للمقاطعة في «رام ألله» فأجدني أقرأ الفاتحة على قبرك، لك ولكل شهداء فلسطين والأمة العربية المجيدة، تتوحد المشاعر عند قبرك وأتذكرك وأنت تستعد لخوض عباب البحر معتمرا كوفيتك متألقا بزيك الحربي، تذهب سريعا مودعا قادة لبنان الذين حموا الثورة بأهداب العيون كل في موقعه وتوصيهم خيرا بمن تبقى من شعب فلسطين أمانة في ضمير لبنان، وكيف توصي الروح بالروح! سنصطحبك إلى الميناء، كلهم لم يتركوك وأصروا على وداعك بالميناء حيث تربض «أتلانتيك» التي ستقلك إلى بلاد الإغريق أولا فقد ضاقت بنا بلاد العرب وكان الإغريقي الشامخ «اندرياس باباندريو» في انتظارك باستقبال يليق بك وبشعبك لعله ينسيك مرارة من سحب جنده من لبنان ليبقيك وحيدا ومن دعاك إلى الانتحار من بعيد، كنت تنظر خلفك والباخرة تشق عباب البحر وترى بيروت أجمل عواصم العرب وربما كنت تفكر بما تحمله الأيام لها ولنا! فجأة تختفي القوات الدولية لحفظ السلام ويدخل الفاشي مخيمات صبرا وشاتيلا للاجئين لسرقة انتصارنا بصمودنا ويستبيح «المخيم» ثلاثة أيام بلياليها، لعله يشفي غليله، وصبرا تنادي من تنادي فلا أحد، فقد ذهب الرجال إلى الرحيل، لم ترحلون؟ وإذا رجعتم ذات يوم فلأي منفى ترجعون؟ صبرا هوية عصرنا حتى الأبد! يا أبانا الراحل العظيم، أنا من جوار ضريحك أطالب وبسرعة بالتداعي لعقد أكبر مؤتمر شعبي تحضره كل قطاعات شعبنا للتحاور والتدارس والاتفاق من جديد على توصيف وتعريف هويتنا وتحالفاتنا وتاريخنا والتوافق على برنامج سياسي جامع للوحدة الفلسطينية المنشودة؛ وحدة النضال والعمل الوطني، نتفق من خلاله على الأدوات والوسائل والهدف الاستراتيجي، لنجري مراجعة شاملة حقيقية لمسيرة النضال الفلسطيني. من على ضريحك أصرخ بصوت عالٍ يجب العمل الفوري على إحياء منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب العربي الفلسطيني أينما وجد، والمنظمة هي مرجعية السلطة الوطنية وليس العكس، وضرورة إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني بطريقة الانتخاب حيث أمكن والتعيين السليم وليس العشوائي حين لا نتمكن من إجراء الانتخابات، لقد أفقد الاحتلال السلطة كل صلاحياتها ولم تعد أكثر من دافع رواتب ومن غير المنطقي أن تعمل بتقاسم وظيفي معه! شرائحنا السياسية في شطري الوطن المنكوب المقسم جغرافيا وسياسيا تمارس عنفوانا زائفا وتتكاذب فيما بينها فهي لا تفعل شيئا ذا قيمة من أجل الوحدة في الضفة أو في غزة، وعلى «فتح» و«حماس» إعادة الأمانة إلى شعبنا، فله الحق في اختيار من يحكمه ويقود نضاله، ومن يأخذ بيده نحو الحرية بمنظومة كيانية واجتماعية واقتصادية وتربوية وقانونية ضامنة لإعلاء شأن الإرادة الشعبية. يا قائدنا ويا رمز تاريخنا المعاصر، احترام العالم لنا بتجديد شرعياتنا، المجلس التشريعي والرئاسة، فيجب أن تجري الانتخابات ويجب الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، فمشروعنا الوطني ليس حكرا على حزب أو فصيل بحجة الشرعية التاريخية أو الشرعية الدينية. إن الاحتلال قبيح يا سيد الشعلة، ولن يستطيعوا تجميله لنا، وعلى كل من يعمل على تغييب وتمييع أهدافنا في الحرية والاستقلال والدولة المستقلة مقابل منافع شخصية أن يرعوي فالتاريخ يسجل ولا يرحم وهدوء شعبنا يوحي بأنه يمكن أن يتبعه الطوفان لشعب الجبارين كما كنت تقول دائما. في الذكرى السابعة عشرة لاستشهادك لك منا الوفاء والسير على نهجك ونعاهدك نحن الذين ما بدلوا تبديلا أن نصعد الجبل ثانية وألا ننزل عنه إلا بتحقيق أهداف شعبنا بالحرية والاستقلال الناجز والدولة المستقلة وعودة اللاجئين، عانق صلاحا وخليلا وكل الشهداء الأبرار، كم نفتقدكم، ونحن كثيرا إلى أيامكم المجللة بالفخار. { كاتب فلسطيني مقيم في مملكة البحرين
مشاركة :