«مساء للموت».. التراث البحري في افتتاح «دبي للشباب»

  • 11/6/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الأعمال الكبيرة لا تموت، وإنما تتحول لتشكل وجداناً في عقول ومخيلات أجيال، فتبقى، حتى ولو لم يكونوا يقصدون تماماً، محاكاتها، هذا ما يؤكده عرض مسرحية مساء للموت التي افتتحت عروض المسابقة الرسمية لمهرجان دبي لمسرح الشباب في دورته التاسعة، مساء أول من أمس، على خشبة ندوة الثقافة والعلوم، برعاية هيئة دبي للثقافة والفنون. نسأل ولا نجيب قامت اللجنة المنظمة لمهرجان دبي للشباب بتقليد جديد يتعلق بوجود أعضاء لجنة التحكيم خلال الندوة التطبيقية، وخصصت لهم منصة مستقلة، وهم الفنانون حسن رجب رئيس اللجنة، محمود أبوالعباس، عائشة عبدالرحمن، فيصل الدرمكي، محمد الغص. هذا التقليد من دون شك يعد إضافة تساعد في مزيد من ثراء الندوة التطبيقية، ولا ترضخ لنمطية أعمال لجان التحكيم المختلفة، وهو ما أكده مقرر اللجنة الفنان محمود أبوالعباس، الذي اشار بخفة ظله إلى آلية وجودها خلال الندوات التطبيقية على مدار فترة إقامة المهرجان. وأضاف أبوالعباس: سوف نوجه أسئلة، ولن نكون معنيين بتقديم إجابات، لذلك قدم أبوالعباس أربعة أسئلة مختلفة للمخرج، لكنه لم يحصل إلا على إجابة واحدة عن أحدها الذي يتعلق بما إذا كان قد قرأ عطيل أو أي أعمال لشكسبير، لا سيما أن نص المسرحية مأخوذ بالكامل من مسرحية عطيل، حسب أبوالعباس، فكانت الإجابة بالنفي. العمل الذي أنتجه مسرح خورفكان للفنون، يُشكل التجربة الأولى لمخرجه إبراهيم القحومي، الذي أكد أنه لم يقرأ مسرحية عطيل، بالأساس، على الرغم من أن الحبكة الدرامية، والعقدة والفكرة، تحيل بشكل مباشر لها، ولكن في ثيمة تراثية تحتفي بمفردات التراث البحري المحلي، وفلكلور النهامة، وهو تشابه بررته كاتبة النص باسمة يونس، بتماثل المشاهد الإنسانية عقب الحقب المختلفة، سواء كانت الحقبة التي أفرزت عطيل، أو تلك المساحة الزمنية التي يحيل إليها الزمن الدرامي أو حتى الحاضر والمستقبل. بأداء فلكلوري يحاكي النهامة في العمل الذي شهد ايضاً أول صعود على الخشبة لممثلة جديدة هي نوال، ينفتح مساء للموت على إضاءة متوسطة، وديكور يستعيد التراث البحري، من خلال اعتماده بشكل خاص على شباك الصيد كمفردة رئيسة، تفصل المسرح إلى مستويين أولهما أمامي، تدور خلاله الأحداث، وثانيهما خلفي، ساكن، تفترشه جموع بشرية تظل على المستوى ذاته من الثبات طوال العرض. وفي مقابل الجموع المحايدة الساكنة، تبقى جوقة مكونة من خمسة أفراد، ترصد المشهد، وتحكيه، وتتنبأ به، كأنها ضمير لواقع لا ترضى عنه، فهي تتحلق في مطلع المسرحية حول النوخذة الظالم المراوغ مبارك الذي يؤدي دوره إبراهيم العضد، لتستمع إلى ما يقوله من كلمات تنم عن حقده على غانم الذي تمكن من الزواج بـمريم وتؤدي دورها الممثلة الشابة نوال، التي فضلته عليه، متجاهلة سطوته وثراءه. المحتوى الدرامي إذن متكرر، ولم يكن بحاجة إلى استعادة أجواء عطيل النفسية، فالعمل التراثي الذي يستعيد تلك الحقبة ويغوص في صراع الخير والشر، بأوجه عديدة، تطرق أيضاً في عشرات من الأعمال المسرحية، لفكرة النوخذة الظالم وغريزة الرغبة في التملك، حتى في ما يتعلق بالمشاعر الإنسانية، وما يرتبط بذلك من دسائس وحيل، وتوظيف المجاميع، للتعبير عن حالة الانكسار الجمعي تجاه تلك السطوة، التي لا تقتصر قسوتها على الزوجين، غانم ومريم. السينوغرافيا فُرضت عليها حالة من البساطة، لكن خفوت درجة الإضاءة كرس انعزال الجمهور عن الفعل المسرحي على الخشبة، وعمق ذلك عدم وضوح الصوت، سواء لأسباب فنية، أو لمشكلات تتعلق بمخارج الحروف، لا سيما أن العمل، وهو ما يحسب لأسرته بكل تأكيد، اختار العربية الفصحى، لغة له، إلا ان الممثلين كانوا بحاجة إلى فترة تدريب أكبر مما أتيحت لهم، من اجل تجنب الوقوع في أخطاء مؤثرة. الحلول الإخراجية التي لجأ لها القحومي، تؤشر إلى أن خشبة الشباب كسبت محاولة مجتهدة، وحالة الاتساق في حركة الجموع، والاشتغال على التعابير الذاتية لكل فرد فيهم، والانتقال من الحديث الداخلي إلى سواه الخارجي، بسهولة وسلاسة، ينمان عن مهارة ودقة في التصرف الإخراجي، وهو ما تبدى على سبيل المثال، في تحويل عصا مبارك، إلى خيال يتمثل صورة مريم، لينقل للمشاهد ويفضح بشاعة التكوين النفسي للشخصية الطاغية مبارك. مشهد الختام أيضاً كان ترجمة لرغبة المخرج في كسر النمطية، لكن تجربته الأولى لم تسمح له بمراده، فوقع في فخاخ تكرار المشهد التقليدي الذي يعاقب فيه المخرج جميع شخوصه بموتهم، من أجل أن يتحقق عنوان العمل، وهو مساء للموت، وحاول تصوير مشهد قتل غانم لزوجته مريم، بعد أن أشاع مبارك افتراء بأن علاقة آثمة تربطها بابن عمه بدر، من خلال الضغط على يديها، في معادل موضوعي لخنق رقبتها، ليتحول غانم إلى ميت من خلال فقدانه عقله ومريم التي كانت تتمحور حياته حولها، وهو المصير نفسه لمبارك، وربما تكون الجموع، هي الناجي الوحيد من هذا المصير الذي قاد إليه المخرج شخوصه، في مساء للموت. إبراهيم القحومي: ترقبوني طالب مخرج مسرحية مساء للموت حضور الندوة التطبيقية بترقب عمله المقبل، الذي أكد أنه سيتلافى جميع الأخطاء ويستستفيد من مختلف الملاحظات التي ذكرت اثناء الندوة التطبيقية، مضيفاً: ما زلت في أول درجة من سلم الإخراج. وشد الكثير من المداخلات على ايدي القحومي، خصوصاً عمر غباش الذي طالب بعدم المبالغة في القسوة النقدية على أعمال الشباب، مضيفاً هنا مهرجان شاب، ويجب ألا تقارن الأعمال بسواها في المنصات الاحترافية الأخرى، مؤكداً أن الرابح الأكبر من هذه التظاهرة الشبابية هو المسرح الإماراتي الذي يبقى على موعد مع تجدد دمائه سنوياً. وبأسلوب الكبار وجه المخرج الشاب التحية لزملائه في فريق مساء للموت، وكذلك إدارة مسرح خورفكان، التي انتجت العمل، وأيضاً راعية المهرجان هيئة دبي للثقافة والفنون.

مشاركة :