فيما حظرت تركيا، أمس، على العراقيين والسوريين واليمنيين السفر من مطارات تركية إلى بيلاروسيا على خلفية أزمة اللاجئين عند الحدود بين البلد السوفياتي السابق وبولندا، رسم تقرير حقوقي عراقي صورة قاتمة لأوضاع العالقين على الحدود. يأتي القرار التركي في أعقاب جولة عاجلة من الاتصالات الدبلوماسية بين مسؤولين بولنديين وأتراك وأوروبيين تهدف إلى وقف تدفق الذين يحاولون الوصول بشكل غير شرعي إلى دول الاتحاد الأوروبي عبر حدوده الشرقية. وأفادت هيئة الطيران المدني التركية، في بيان، «نظراً لمشكلة العبور غير القانوني عبر الحدود بين الاتحاد الأوروبي وبيلاروسيا، اتخذ قرار بأنه لن يُسمح لمواطني العراق وسوريا واليمن الراغبين بالسفر إلى بيلاروسيا من المطارات التركية بشراء تذاكر والصعود على متن الطائرات حتى إشعار آخر»، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. ويشكل الإعلان تراجعاً جزئياً عن موقف تركيا الرسمي من الخلاف المتصاعد بين بيلاروسيا وحليفتها روسيا من جهة، ودول الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. ورفضت شركة الخطوط الجوية التركية، الثلاثاء، الاتهامات بأن رحلاتها «تهيئ الوضع لتهريب المهاجرين غير الشرعيين». وأكدت في بيان أن معلومات كهذه «لا تعكس الحقيقة». وفيما أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد الصحاف، أن وزارته تواصل العمل ليلاً ونهاراً لمتابعة أوضاع المواطنين العراقيين العالقين على الحدود البيلاروسية والبولندية، نقل مرصد حقوقي نداء استغاثة من مئات العالقين ورسم صورة قاتمة لأوضاعهم هناك. وقال الصحاف لـ«الشرق الأوسط» إن «الخارجية العراقية اتخذت العديد من الخطوات المهمة لمعالجة مشكلة المواطنين العالقين، من ضمنها تعليق البراءة القنصلية مؤخراً للقنصل البيلاروسي في بغداد والقنصل العراقي لدى بيلاروسيا، وكذلك أوقفنا منذ أشهر رحلات الناقل الوطني من العراق إلى بيلاروسيا، وأبقينا على رحلات العودة فقط». وأضاف الصحاف أن «السلطات العراقية لا تجبر أحداً على العودة، لكنها تدعم عودتهم الطوعية، وتقدم لهم التسهيلات اللازمة في هذا الاتجاه. قصة العالقين مسألة فيها الكثير من التعقيد، ذلك لأن بعض الدول تقوم لأهداف سياسية بتوجيه قضية اللاجئين، وبعيداً عن كل ذلك ما يهمنا سلامة وأمن مواطنينا». وتابع: «وزارة الخارجية وجهت سفاراتها في موسكو وبولندا لأن يوفدوا ممثلين عنهم إلى الحدود الليتوانية - البولندية - البيلاروسية لمعرفة أعداد العالقين ولتوفير الخدمات والحماية اللازمة لهم». وكشف الناطق باسم وزارة الهجرة والمهجرين علي عباس، أن «هنالك العديد من الإيرانيين والأفغان من العالقين على الحدود البولندية يدعون أنهم عراقيون». وتحدث عباس في تصريحات صحافية عن «تخصيصات مالية رصدت إلى وزارة الخارجية، الغاية منها عودة العراقيين طوعياً وتخصيص طائرات من أجل عودتهم». وفي حين لم تكشف وزارتا الخارجية، والهجرة والمهجرين، عن طبيعة المواطنين العالقين ومن أي المناطق العراقية يتحدرون، تشير بعض الأوساط الحقوقية والصحافية إلى أن غالبيتهم يتحدرون من إقليم كردستان، وقد كتب الصحافي الكردي سامان نوح، عبر مدونته الشخصية في «فيسبوك»، أن «100 شاب يهاجر من دهوك يومياً، بحثاً عن (وطن بديل) يؤمن لهم فرص عمل وسقف يأويهم وبعض المساواة». وأضاف أن «نسبة الـ30 في المائة ممن يتركون الإقليم يومياً هم من دهوك المدينة الوديعة الجميلة، وربما النسبة هذه الأيام وصلت إلى 50 في المائة، رغم أن الطرق خطرة، وتشكل تهديداً لحياة المهاجرين، سواء عبر بيلاروسيا أو تركيا». لكن نوح يقول إن «سلطات الإقليم تنفي ذلك». إلى ذلك، نشر مرصد «أفاد» الحقوقي، أمس، تقريراً تسلمت «الشرق الأوسط» نسخة منه يتضمن نداءات استغاثة وجهها مئات العالقين ورسم صورة قاتمة لأوضاعهم هناك. وقال تقرير المرصد إنه تلقى خلال الساعات الماضية مناشدات مسجلة (عبر الواتساب وبرامج أخرى) لعدد من المهاجرين العراقيين العالقين على الحدود. وناشد المرصد السلطات الرسمية في بغداد «إعلان حالة تأهب كاملة لمساعدتهم، خصوصاً بعد تأكيد تعرض عدد من العراقيين بينهم سيدات للضرب على يد حرس الحدود البولندي، وتعرضهم لاستغلال من قبل السلطات البيلاروسية التي حولتهم لورقة ضغط سياسية». ونقل التقرير عن عراقيين، أحدهم من محافظة دهوك شمال البلاد، يدعى أحمد عقراوي (39 عاماً)، أن «هناك جثمانين لعراقيين ما زالا منذ أسبوعين في مركز صحي عسكري على الحدود البيلاروسية فقدا حياتهما بسبب انخفاض درجات الحرارة وموجات برد صاحبتها نزلات برد ومشكلات صحية لم يتم تحديد نوعها على وجه الدقة». وذكر عقراوي أن «سيدة (عراقية) وضعت توأماً، وتم التحفظ عليهما، ومنح الأم مهلة تنتهي الأسبوع المقبل في حال لم تسدد مستحقات المستشفى سيتم نقلهما إلى دار للأيتام تشرف عليه أحد الأديرة بالمنطقة الحدودية». ويقول التقرير إن «عدد العراقيين المحاصرين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا يبلغ أكثر من 700 شخص، بينها هناك نحو 300 آخرين عالقين بظروف سيئة مماثلة بين بيلاروسيا وكل من دولة ليتوانيا ولاتفيا». ونقل المرصد عن عراقي آخر، عدم ذكر اسمه، قوله إن «حرس الحدود البيلاروسي هاجم العراقيين الموجودين على الحدود مع بولندا بالضرب، وحرق ما لديهم من ملابس ومعلبات غذائية، كما منع وصول مساعدات لهم من الناشطين الحقوقيين، وأن حرس الحدود البيلاروسي أجبر عراقيين على المشي مسافات طويلة للوصول إلى غابة بياوفيجا والتجمع فيها، وهو ما جعلهم عرضة لهجوم آخر من قوات الحدود البولندية أيضاً، وشوهدت سيدة تتعرض للدفع والركل». وأشار التقرير إلى أن «غالبية العائلات المهاجرة قدموا برحلات من تركيا ودمشق ودبي عبر رحلات محولة، وبتنظيم لشبكات سمسرة بعضها في مدينة مينسك عاصمة بيلاروسيا».
مشاركة :