لقد شاركت المرأة المسلمة في تأسيس الدولة الإسلامية الأولى، وفي بناء الحضارة الإسلامية، والنهضة العلمية، وهذا الجانب المُعتّم عليه في حضارتنا الإسلامية من قبل المؤرخين، وعلماء الحديث المعاصرين مدى إسهام المرأة المسلمة في النهضة العلمية في مختلف العلوم على مختلف العصور، وهو تعتيم مُتعمّد ليستأثر الرجل بكل العلوم، وليستمر إقصاء المرأة، وفرض الوصاية المجتمعية عليها بتحديد ما تتلقاه من علوم، وما تعمله من أعمال، وهذا ما تضمنته مناهجنا الدراسية التي من ضمنها درس مكانة المرأة في الإسلام. فقد كانت المرأة أوّل مستشارة في الإسلام (أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها)، وكانت أول شهيدة في الإسلام (السيدة سمية بنت خياط رضي الله عنها) وشاركت في مواجهة حصار قريش لرسول الله صلى الله عليه ومعه بني هاشم في شِعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات، وكانت السيدة خديجة رضي الله عنها ترسل لهم المؤن سرًا، وشاركت في عقد تأسيس الدولة الإسلامية الأولى في العقبة، وفي الهجرتيْن للحبشة، والهجرة إلى المدينة، وعرّضت السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما (ذات النطاقيْن) حياتها للخطر في توصيل الطعام إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه فترة اختبائهما في غار ثور، كما شاركت المرأة في بيعة الرضوان (بيعة الشجرة)، كما شاركت في القتال مع الرسول(صلى الله عليه وسلم)، فقد كان للمرأة حضور في المجتمع الإسلامي منذ اللحظة الأولى لظهور الإسلام، وكانت أسماء بنت نُهيك الأسدية تراقب الأسواق في مكة المكرّمة في عهد النبي(صلى الله عليه وسلم)، أول محتسبة في الإسلام في مكة المكرمة، وكانت أول محتسبة في الإسلام في المدينة السيدة الشفاء من بني عدي التي ولّاها سيدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه مراقبة الأسواق، كما تولت الحكم في بعض الولايات الإسلامية في مختلف العصور الإسلامية، وكما أسهمت في تأسيس الدولة الإسلامية، وفي بناء الحضارة الإسلامية ونهضتها العلمية، فقد كانَتْ تتعلَّم من الرجال والنساء وتُعَلِّمهم، وترحل لطلب العلم، ويقصدها الطلاب لأخذ العلم عنها، وتصنِّفُ الكتب، وتُفْتِي، وتُستشار في الأمور العامَّة، ولم تَكُنْ حبيسةَ منزِلٍ أو أسيرةً في مهنة معيَّنة، بل كان المجال مفتوحًا أمامها تظله الشريعة الغراء، ويرعاه العفاف والطهر-ولم يكن للغرب أي تأثير آنذاك- إلى أن تمّ تهميشها في القرن العاشر الهجري حتى بلغت نسبة الأمية بين النساء المسلمات في عصرنا الحاضر (66%). وكانت العالمات المسلمات يعقدن مجالس العلم في الحرم المكي، وفي كبريات المساجد الإسلامية، ويحضُر لها الطلاب من الأقطار المختلفة، وعُرف عن بعض الفقيهات والمحدثات المسلمات أنَّهن أكثَرْنَ من الرحلة في طلب العلم إلى عدد من المراكز العلمية في مصر والشام والحجاز، حتَّى صِرْنَ راسخاتِ القَدَم في العلم والرواية، وكان لبعضهن مؤلفات وإسهامات في الإبداع، الأدبي، منهنّ: • أم الدرداء الصغرى: (ت: 80هـ/700م). واعتبرها بعض معاصريها خبيرة في علوم الحديث، وفاقت شهرتها شهرة علماء كبار أمثال الحسن البصري أو ابن سيرين!، ومن بين طلبتها يوجد الشهير والمعروف أبو بكر ابن حزم، قاضي المدينة الذي تلقى الأمر في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز بالجمع الرسمي للحديث. وعرفت أيضًا بمعارفها العميقة في الشريعة وآرائها الاجتهادية في الفتوى، وتجدر الإشارة إلى أنّ أم الدرداء كانت تُدرِّس الحديث والفقه في المساجد، للطلبة الرجال والنساء أيضًا. مما يدل على مكانتها العلمية التي أحرزتها على عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي كان يأتي شخصيًا ليحضر مجالسها العلمية العامة. • السيدة سكينة بنت الحسين رضي الله عنه (توفيت: 126هـ) كانت من الأدب والفصاحة بمنزلة عظيمة مع ما هي عليه من التقوى والورع والعبادة، وكان منزلها مألف الأدباء والشعراء، فهي بذلك من أول من أنشأوا «الصالون الأدبي» بمفهومنا المعاصر، وهي أوّل ناقدة أدبية. • السيدة نفيسة بنت الحسن حفيدة رسول الله عليه الصلاة والسلام المولودة بمكة سنة 145هـ نشأت بالمدينة المنورة حيث درست بها في شبابها في كبريات حلقات العلماء في عصرها في المسجد النبوي، مثل الإمام مالك بن أنس، ودرّست الحديث النبوي والفقه حتى لُقبت بِـ» نفيسة العلم، ورحلت إلى مصر عام 193هـ، تتلمذ عليها اثنان من كبار العلماء المسلمين في العالم، الشافعي وابن حنبل.
مشاركة :