رأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن إمكانية إقدام بيلاروسيا على وقف تدفق الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا عبر أراضي بلاده، سيلحق ضرراً بأمن الطاقة في القارة الأوروبية، كما أنه «لن يساعد في تعزيز العلاقات بين روسيا وبيلاروسيا». وشكل هذا أول تعليق من بوتين على تصريحات الرئيس البيلاروسي الذي هدد بوقف إمدادات الغاز الروسي عبر أراضي بلاده إلى أوروبا، وقال بوتين في مقابلة تلفزيونية: «بصراحة، هذه المرة الأولى التي أسمع فيها هذا الموقف (...) تحدثت مرتين مع ألكسندر غيورغيفيتش (لوكاشينكو)، مؤخراً، ولم يخبرني بذلك مطلقاً، ولم يلمح حتى». وأضاف الرئيس الروسي أنه سيتحدث مع نظيره البيلاروسي حول هذه المسألة. وأكد بوتين خلال مقابلة تم بثها أمس السبت أنه لا علاقة لموسكو بأزمة الهجرة عند الحدود بين بيلاروسيا وبولندا. وقال في مقابلة مع شبكة «فيستي» الرسمية: «أريد أن يعرف الجميع أنه لا علاقة لنا بها»، في تصريحات تأتي بعدما اتّهمت بولندا وجهات غربية أخرى موسكو بالعمل مع مينسك على ترتيب إرسال آلاف المهاجرين إلى المنطقة الحدودية. وأشار بوتين إلى أن على القادة الأوروبيين عقد محادثات مع رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو إذا كانت لديهم الرغبة في حل الأزمة، التي علق على إثرها مئات المهاجرين، ومعظمهم من الشرق الأوسط، على الحدود. وقال بوتين: «كما فهمت، ألكسندر لوكاشينكو والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على استعداد للتحاور معاً». وأضاف: «آمل بأن يتم ذلك في المستقبل القريب، هذا هو الأمر الأهم». وحمّل بوتين الغرب مجدداً مسؤولية الأزمة، لافتاً إلى أن سياساته في الشرق الأوسط تعد السبب الذي يدفع المهاجرين للتوجه إلى أوروبا في المقام الأول. وقال بوتين: «علينا ألا ننسى مصدر هذه الأزمات المرتبطة بالمهاجرين. هل بيلاروسيا سبب هذه المشاكل؟... كلا، خلقت الدول الغربية بما فيها تلك الأوروبية هذه الأسباب. إنها سياسية وعسكرية واقتصادية في طبيعتها». ورغم أن بوتين سعى عبر هذه الكلمات إلى تأكيد أن موضوع التهديد بوقف إمدادات الغاز لم يتم تنسيقه مع روسيا، لكنه في المقابل تعمد عدم التخفيف من أهمية التهديد البيلاروسي، مشيراً إلى أن «هذه الممارسة نظرياً ممكنة، وقد قامت أوكرانيا بوقف تدفق الغاز الروسي عبر أراضيها إلى الاتحاد الأوروبي في وقت سابق». وكان لوكاشينكو، هدد الاتحاد الأوروبي بوقف تدفق الغاز الروسي في حال تم فرض عقوبات جديدة على بلاده. في الوقت ذاته، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه سيجري محادثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين حول الوضع على الحدود البيلاروسية مع أوروبا، وقال إن البحث سوف يتطرق إلى مسائل عدة، لكنه سيركز على هذا الموضوع. ونددت الخارجية الروسية أمس، باتهامات أطراف أوروبية ضدها، وقالت إن «المزاعم بأن روسيا طرف في الأزمة سخيفة وعبثية»، ودعت الأوروبيين إلى عدم التعنت في رفض إقامة قنوات حوار مع مينسك. تزامن ذلك مع تفاقم الوضع الإنساني لآلاف اللاجئين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، مما دفع العراق إلى التحرك، ووقف رحلات الطيران مع بيلاروسيا بهدف حماية مواطنيه من «شبكات تهريب المهاجرين». وأعلن نائب مدير إدارة التعاون الإنساني وحقوق الإنسان في وزارة الخارجية الروسية، غريغوري لوكيانتسيف، أن «ممثلي البلدان المجاورة لبيلاروسيا ما زالوا يرفضون بشكل قاطع إقامة أي تفاعل بناء مع وكالات إنفاذ القانون في هذا البلد». مشيراً إلى أن التعنت الأوروبي يفاقم من خطورة المشكلة. وقال إن عدم الاستماع لدعوات الحوار التي أطلقتها موسكو يعرقل حل المشكلة القائمة عبر التعاون البناء بين الوزارات المعنية. وندد لوكيانتسيف باتهامات أطراف أوروبية رأت أن موسكو شجعت الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو على افتعال أزمة اللاجئين بهدف «ابتزاز أوروبا». وقال إن «روسيا تعتبر الاتهامات الموجهة لها بخصوص أزمة المهاجرين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، سخيفة وعبثية». وأوضح الدبلوماسي الروسي أن «جميع الاتهامات في هذا الصدد موجهة إلى دولة واحدة، وهي بيلاروسيا، رغم أن هناك مزاعم بأننا ضالعون في هذا الأمر، (...) وهذا أمر سخيف». وكانت أطراف أوروبية وسعت تحركها ضد سياسات الرئيس البيلاروسي، وحمل ممثل بولندا لدى الأمم المتحدة، في بيان باسم الدول الأوروبية، لوكاشينكو، المسؤولية عن أزمة المهاجرين على الحدود بين البلدين. ووصف الأزمة بأنها ناجمة عن تصرفات «نظام لوكاشينكو الإجرامي». في الأثناء، تفاقم الوضع الإنساني في المناطق الحدودية، حيث يقيم آلاف اللاجئين، وغالبيتهم من العراق وبلدان أخرى في الشرق الأوسط، في معسكرات بدائية أقيمت على عجل، ويواجهون صعوبات كبرى بسبب تدني درجات الحرارة ونقص الأغذية والأدوية. وكانت بيلاروسيا نقلت المهاجرين الذين وصلوا خلال الشهور الماضية على متن رحلات جوية مباشرة، إلى المنطقة الحدودية في حافلات أعدت لهذا الغرض. وفي مسعى لتخفيف تداعيات الوضع الحالي زودت معسكرين للاجئين بمولدات كهربائية أول من أمس. ويحاول عدد من اللاجئين بين الحين والآخر، التوغل عبر الشريط الحدودي، وأفادت وكالة «بيلتا» البيلاروسية الرسمية السبت، بأن نحو 60 مهاجراً لا يزالون يوجدون في المنطقة البولندية من الشريط الحدودي، بعد أن اجتازوا حدود بيلاروسيا أول من أمس، وقضوا الليل أمام السياج الحدودي المقام في الأراضي البولندية. ووفقاً للوكالة، هتف المهاجرون الذين جاءوا غالباً من العراق: «ألمانيا ألمانيا»، وقال أحدهم إن حرس الحدود البولندي حاول طردهم من المنطقة. وأفاد متحدث باسم حرس الحدود البيلاروسي أن نحو ألفي مهاجر لا يزالون عالقين في مخيم عشوائي أقيم قرب المنطقة الحدودية و«لا يزال الوضع في المخيم معقداً». ونشرت وسائل إعلام لقطات تظهر حالة من الفوضى تسود عملية توزيع المساعدات الغذائية المقدمة من قبل الحكومة البيلاروسية على المهاجرين في المخيم، حيث اضطر الجنود إلى إطلاق النار في الهواء لتفادي التدافع. في غضون ذلك، اتهم حرس الحدود البولندي، في بيان أصدرته أمس السلطات البيلاروسية بتشجيع المهاجرين على اجتياز الحدود والتسلل إلى الأراضي البولندية. وذكر البيان أن حرس الحدود البيلاروسي شرع الليلة الماضية في إزالة السياج المؤقت عند الجانب البيلاروسي من الحدود في منطقة تشيريمخا، واستخدم الليزر والستروبوسكوب لإعماء العسكريين البولنديين في الجانب المقابل من الحدود. ولفت البيان إلى أن نحو 100 مهاجر كانوا ينتظرون في المكان نفسه منحهم فرصة لاجتياز الحدود، متهماً السلطات البيلاروسية بإمداد هؤلاء بالغاز المسيل للدموع الذي استخدموه لاحقاً ضد حرس الحدود البولنديين. وذكر البيان أن حرس الحدود البولندي «أحبط هذه المحاولة وما أعقبها من المحاولات لخرق حدود البلاد». ورجحت وزارة الداخلية البولندية أمس، إغلاق كافة المعابر الحدودية مع بيلاروسيا وتعليق حركة القطارات بين البلدين. كما أعلنت الشرطة البولندية أمس، أنها عثرت على جثة شاب سوري يبلغ من العمر 20 عاماً في غابة قرب الحدود، من دون الكشف عن ملابسات وفاته. وفي أول تحرك من جانب العراق، الذي يعد الجزء الأكبر من اللاجئين في المنطقة من مواطنيه، أعلنت وزارة الخارجية العراقية، وقف رحلات الطيران المباشرة بين العراق وبيلاروسيا وسحب رخصة عمل القنصل البيلاروسي الفخري في بغداد مؤقتاً. وقال المتحدث باسم الوزارة، أحمد الصحاف، لوكالة «نوفوستي» الروسية، إن «العراق أوقف رحلات الطيران المباشرة مع بيلاروسيا». وأضاف أن «وزارة الخارجية العراقية سحبت مؤقتاً رخصة عمل القنصل البيلاروسي الفخري في بغداد»، مبيناً أن «هذه الخطوة تأتي لحماية المواطنين العراقيين من شبكات تهريب البشر». وذكر أن سفارتي العراق في موسكو ووارسو تنسقان الجهود الرامية إلى عودة طوعية للعالقين على حدود روسيا وبيلاروسيا.
مشاركة :