لم تترك رفاهية الحياة شكلاً من أنماط الماضي الجميل إلا وأحدثت فيه تغيرات جذرية، حتى بتنا نرثي على أطلالها؛ تفاصيلها الجميلة التي كان لها كبير الأثر في تقارب الجيران واندماجهم.. وقد صارت منازلهم بفضلها سككاً لعبور الأطفال وممارسة ألعابهم البسيطة. هذه المظاهر تقلصت، بل اختفت مع تطور أشكال الحياة، واختلاف توجهات الأفراد، وأصبحت ذكرياتها محفوظة في ألبوم الصور القديمة وحسب. هدوء المكان في هذا الصدد تحدث أحمد الشحي الذي قال إن انشغال الناس ورفاهية الحياة حدّت من مظاهر التداخل وانخراط أبناء الجيران أو الفريج مع بعضهم، ففي السابق كانوا ينطلقون فرادى أو مجموعات تعلو صيحاتهم وأصواتهم عموم المكان، يجرون ألعاباً ابتكروها لا يتجاوز أجملها عجلة دراجة هوائية، يكسر ضجيجها هدوء المكان. وأشار إلى أنه وعلى الرغم من هذه التفاصيل العفوية البريئة والجميلة، ظل أبناء الجيران يقضون اليوم برمته مع بعضهم في صورة مفعمة بالتواصل والتفاعل، وحين يسدل ظلام الليل ستاره، يصبح لا مفر من مواجهة النوم، حتى إن بعض الصغار ومن شدة الإرهاق لا تسعفهم أقدامهم للعودة إلى منازلهم فينامون أحياناً في منازل الجيران دون خوف أو قلق من أسرتهم، وبلا خجل من أفراد الجيران. رسالة معلم وأوضح أن هذا الترابط بين الأبناء انعكس على صداقاتهم، فحينما تشاهدهم في المدرسة تراهم أشقاء يعلم كل فرد منهم تفاصيل حياة الآخر، وإذا احتاج معلم أن يوصل رسالة لأحد أولياء الأمور، لا يكلفه ذلك سوى أن يخبر أحد أبناء الجيران الذي يسارع مسروراً لنقل رسالة معلمه، لافتاً إلى أن الحياة اختلفت في الوقت الحالي.. وأصبحت علاقة أبناء الجيران ببعضهم فاترة، لا يتعدى نطاقها حدود المدرسة، فالأسوار المرتفعة في المنازل وكثرة الألعاب في حدائقها؛ كل ذلك أصبح حاجزاً يمنع تداخل الأبناء الذين أضحوا يتعاملون مع بعضهم في إطار مغلف بالرسمية. تقنيات حديثة أما محمد الحوسني فقال إن توجهات الأطفال تغيرت وأصبحوا غير مدركين للصداقة والعلاقات الاجتماعية التي كان ينسجها الصغار في الماضي أثناء ممارستهم طقوس اللعب واللهو.. فالتقنيات الحديثة والألعاب وحرص الأسرة الزائد عن الحد، كلها معوقات تصد الصغار عن بناء العلاقات الاجتماعية والتي هي في حقيقة الأمر ضرورية لاكتساب الأبناء مهارات وخبرات حياتية، منها طلاقة اللسان والشجاعة، والانسجام مع الآخرين بسرعة. خشونة وتحمل ولفت إلى أن أبناء اليوم يفتقدون العديد من الصفات التي كان يتمتع بها أبناء الماضي، حيث إن طبيعة الألعاب في حد ذاتها كانت تكسب الأطفال الخشونة وتعلمهم قوة التحمل والصبر والذكاء، بخلاف الألعاب في الوقت الحالي التي تركز في مجملها على تنمية المهارات والذكاء والقدرات.. ولكن أغلبها لا تترك لهم مجالاً للتعرض لأشعة الشمس كونها محصورة في تقنية معينة ولا يتطلب اللعب بها سوى تحريك أطراف اليد، ولا ننسى في هذا المقام ضررها الصحي. الجيل الحالي وأوضح الحوسني أنه إلى جانب هذا الكم من التغيرات أصبح أبناء الجيران لا يعرفون بعضهم إلا بالأسماء، ويتضح ذلك جلياً خلال لقاءاتهم في الأسواق أو في المسجد وحتى في المناسبات، حيث تغيب الحميمية عن هذه اللقاءات.. موضحاً أن أبناء الجيل الحالي قل تداخلهم وضعف انسجامهم مع بعضهم البعض، وأصبحوا انطوائيين حتى بلغ الحال لدى بعضهم بأن تجده يمشي بمفرده وجل تركيزه منصب على التقنية المحمولة بين يديه. طابع مختلف أما خالد محمد فقال إنه عندما يتذكر الأيام السابقة وكيف كانت العلاقة التي تجمعه بأبناء الفريج، يشعر بالحزن لما وصل إليه حال الأبناء في الوقت الحالي، الذين لا يدركون حتى معنى الصداقة إلا في حالات نادرة، ولم تتوقف سلبيات هذا التغير عند هذا المستوى، بل أصبح الكبار لا يعرفون أبناء جيرانهم بعد أن كانت منازلهم محطات للعب والشقاوة. حق الليلة وأكد أن تداخل أبناء الجيران كان خلق طابعاً مختلفاً في المناسبات الاجتماعية وخصوصاً حق الليلة والأعياد، حيث كانوا يتوافدون بأعداد كبيرة، ما يفرض على صاحب المنزل في بعض المرات، الاختباء إن كان ما تحمله يده لا يكفي للأعداد القادمة، كما هو الحال في الأعياد وحق الليلة التي كانت فيها أصوات الأطفال تسمع من مسافات بعيدة.
مشاركة :