المتتبّع للأحداث المأساوية التي يشهدها عالمنا العربيُّ في العديدِ من بلدانه في هذه الحقبة المريرة من تاريخه الحديث، لابد وأن يُصاب بالحزنِ والإحباطِ، وخيبة الأمل. وإذا أردنا أن ننظر إلى تلك الأحداث بمنظار أكثر موضوعية وشمولية، يتجاوز النظرة الضيقة، سنجد أنها تتجاوز مفهوم الصراع بين الأحزاب والأيدلوجيات، والأطراف المتنازعة، لتظهر على حقيقتها كمشروع استعماري - صهيوني يهدف إلى تفكيك الأمة، وصرفها عن أهدافها وآمالها الوطنية في التحرر والنهوض. فالمستفيد الأول والأكبر من سلسلة هذه الأحداث المأساوية التي تتبدد فيها الثروات والموارد، وتُستباح فيها الدماء، وتُهدم الأوطان، وتتعرّض كياناتها لمخاطر الحروب الأهلية والتقسيم، هو بطبيعة الحال إسرائيل، التي أصبحت على وشك تحقيق المرحلة الأخيرة من مشروعها الصهيوني الخبيث، حيث أصبحت مصر وسوريا والعراق دولاً آيلة للسقوط، ما لم تعدْ إلى رشدها قبل فوات الأوان. وهاهي المؤامرة -مع الأسف الشديد- تكاد أن تحقق الهدف الأخير منها، فبالأمس كان الانقسام فلسطينيًّا، واليوم أصبح أيضًا مصريًّا. وبالأمس كان العراق دولة عربية سنيّة، اليوم أصبحت دولة شيعية، شبه عربية، تخضع للهيمنة والتبعية لإيران، فيما أصبحت سوريا على وشك أن تصبح كذلك. بل إن أوضاع سوريا الآن أصبحت أخطر ممّا يتصوره البعض. ففي ظل انشغال العالم بأحداث مصر، أصبحت حمص مسرحًا لأكبر عملية تدمير وحرب إبادة منذ اندلاع الأزمة قبل أكثر من عامين، وأصبحت على وشك السقوط في يد طاغية الشام الذي يتأهب الآن لمعركته الأخيرة في حلب؛ ليعلن انتصاره النهائي على شعبه، بعد أن حول المدن السورية إلى مدن أشباح. كما أن انشغال العالم بأحداث مصر وسوريا التي لم يعد من السهل التنبؤ بعواقبها أطلق يد إسرائيل في تسريع عملية تهويد القدس بشكل نهائي. الأمة العربية اليوم في حاجة إلى معجزة كي تعود إلى جادّة الصواب، بدءًا من استعادة بوصلتها التي أضاعتها الفتن، وفي حاجة إلى من يذكرها بأن الطريق إلى الحرية لا يمر عبر الفرقة والانقسام، وحروب الحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد.
مشاركة :