أبعاد الصراع الدولي حول ثروات القطب الشمالي

  • 11/20/2021
  • 01:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بعيدا‭ ‬عن‭ ‬المناطق‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬تتصارع‭ ‬فيها‭ ‬الدول‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وإفريقيا‭ ‬والمحيطين‭ ‬الهادئ‭ ‬والهندي،‭ ‬تظهر‭ ‬اليوم‭ ‬بوادر‭ ‬صراعات‭ ‬وصدامات‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العظمى،‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬الثروات‭ ‬الهائلة‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬المتجمد‭ ‬الشمالي‭.‬ وللعلم،‭ ‬فالقطب‭ ‬الشمالي‭ ‬هو‭ ‬أعلى‭ ‬نقطة‭ ‬على‭ ‬محور‭ ‬دوران‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض،‭ ‬ويقع‭ ‬في‭ ‬المحيط‭ ‬المتجمد‭ ‬الشمالي‭. ‬وتستقبل‭ ‬منطقة‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬أقل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬أشعة‭ ‬الشمس‭ ‬فهي‭ ‬ثاني‭ ‬أبرد‭ ‬منطقة‭ ‬في‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ (‬المنطقة‭ ‬الأولى‭ ‬شرق‭ ‬القطب‭ ‬الجنوبي‭) ‬تغطيها‭ ‬طبقة‭ ‬سميكة‭ ‬من‭ ‬الثلج‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬السنة‭. ‬وحاليا،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬بلد‭ ‬يملك‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬أو‭ ‬منطقة‭ ‬المحيط‭ ‬المتجمد‭ ‬الشمالي‭ ‬المحيطة‭ ‬به‭. ‬وهناك‭ ‬خمس‭ ‬دول‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬القطبية‭ ‬الشمالية‭ ‬المحيطة‭ ‬بها،‭ ‬روسيا‭ (‬أكبر‭ ‬دولة‭)‬،‭ ‬كندا،‭ ‬النرويج،‭ ‬الدنمارك‭ (‬عبر‭ ‬جزيرة‭ ‬جرينلاند‭)‬،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬لكن‭ ‬مساحته‭ ‬ومقدار‭ ‬اتساعه‭ ‬تتفاوت‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬لآخر،‭ ‬ومن‭ ‬فصل‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬بسبب‭ ‬حالة‭ ‬الذوبان‭ ‬والتجمد‭ ‬الذي‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬بفعل‭ ‬تغير‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬عبر‭ ‬فصول‭ ‬السنة‭ ‬أو‭ ‬بفعل‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري‭.‬ في‭ ‬عام‭ ‬2000‭. ‬رجح‭ ‬تقرير‭ ‬دائرة‭ ‬المسح‭ ‬الجيويولوجي‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أن‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬25‭%‬‭ ‬من‭ ‬الاحتياطات‭ ‬العالمية‭ ‬غير‭ ‬المكتشفة‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬احتياطي‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الماس‭ ‬والذهب‭ ‬والبلاتين‭ ‬والقصدير‭ ‬والمنجنيز‭ ‬والنيكل‭ ‬والرصاص‭. ‬وبلغة‭ ‬الأرقام،‭ ‬هناك‭ ‬نحو‭ ‬90‭ ‬مليار‭ ‬برميل‭ ‬من‭ ‬النفط،‭ ‬وهي‭ ‬كمية‭ ‬لتغطية‭ ‬الطلب‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬خلال‭ ‬12‭ ‬عاما،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬الخمسين‭ ‬تريليون‭ ‬متر‭ ‬مكعب‭ ‬من‭ ‬الغاز‭. ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬بدأ‭ ‬اهتمام‭ ‬الدول‭ ‬العظمى‭ ‬بالقطب‭ ‬الشمالي‭. ‬فالمعاهدات‭ ‬الدولية‭ ‬تفيد‭ ‬بأن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يملك‭ ‬هذا‭ ‬القطب‭! ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تصاعدت‭ ‬التوترات‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬فكل‭ ‬دولة‭ ‬تمد‭ ‬حدودها‭ ‬للمطالبة‭ ‬ببعض‭ ‬الأراضي‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬القطب‭ ‬والتي‭ ‬بدأت‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬تظهرها،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬روسيا‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬استطاعت‭ ‬استخراج‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬القطب‭ (‬الذي‭ ‬تعتبره‭ ‬جزءًا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬اقتصادها‭ ‬وإقليمها‭) ‬ويمثل‭ ‬خطها‭ ‬الساحلي‭ ‬53‭%‬‭ ‬من‭ ‬ساحل‭ ‬المحيط‭ ‬المتجمد‭ ‬الشمالي‭ ‬ويبلغ‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬مليوني‭ ‬شخص‭ ‬–‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬السكان‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭. ‬وتتمثل‭ ‬أكثر‭ ‬تلك‭ ‬الثروات‭ ‬في‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬وتقدر‭ ‬الاحتياطيات‭ ‬منهما‭ ‬بنحو‭ ‬25‭%‬‭ ‬من‭ ‬الاحتياطي‭ ‬العالمي‭. ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬استكشاف‭ ‬62‭ ‬تريليون‭ ‬متر‭ ‬مكعب‭ ‬من‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي،‭ ‬و9‭ ‬مليارات‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭.‬ لم‭ ‬يقف‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا،‭ ‬فهنالك‭ ‬أيضا‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬تطالب‭ ‬بنفوذ‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬مثل‭ ‬السويد‭ ‬وفنلندا‭ ‬وإيسلندا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬الحظوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الكبرى‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬واليابان‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬ومع‭ ‬توجه‭ ‬أنظار‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬الشمال،‭ ‬وادعاء‭ ‬روسيا‭ ‬ملكية‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي،‭ ‬بدأت‭ ‬عسكرة‭ ‬القطب‭ ‬والمحيط‭ ‬الشمالي‭ ‬حيث‭ ‬بادرت‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سبقتهم‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬روسيا‭ ‬لتصدير‭ ‬عتادها‭ ‬إلى‭ ‬الشمال‭. ‬وقد‭ ‬أعلنت‭ ‬الأخيرة‭ ‬أن‭ ‬المساحة‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭ ‬تفوق‭ ‬مساحة‭ ‬فرنسا‭ ‬وألمانيا‭ ‬مجتمعتين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أغضب‭ ‬واشنطن،‭ ‬التي‭ ‬تنشر‭ ‬27‭ ‬ألف‭ ‬جندي‭ ‬في‭ ‬ألاسكا‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬وأقامت‭ ‬مناورات‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الشمال،‭ ‬كما‭ ‬أوعزت‭ ‬لحليفتيها‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬كندا‭ ‬والدنمارك‭ ‬لوضع‭ ‬برامج‭ ‬صناعة‭ ‬كاسحات‭ ‬جليد‭ ‬عسكرية‭ ‬وإنشاء‭ ‬وحدات‭ ‬عسكرية‭ ‬مهيأة‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭.‬ أما‭ ‬الصين،‭ ‬الصاعدة‭ ‬بقوة‭ ‬والتي‭ ‬يتضح‭ ‬أيضا‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬ثروات‭ ‬القطب‭ ‬الهائلة،‭ ‬فقد‭ ‬استثمرت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬بما‭ ‬تجاوز‭ ‬90‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2012‭ ‬و2017‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أكدت‭ ‬الصين‭ ‬أنها‭ ‬استثمارات‭ ‬ذهبت‭ ‬لتعبيد‭ ‬الطريق‭ ‬من‭ ‬الشمال‭ ‬حيث‭ ‬تختصر‭ ‬هذه‭ ‬الطريق‭ ‬المسافة‭ ‬بين‭ ‬المحيطين‭ ‬الأطلسي‭ ‬والهادي‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬أعلنت‭ ‬الصين‭ ‬أنها‭ ‬تحترم‭ ‬حقوق‭ ‬السيادة‭ ‬لكل‭ ‬بلد‭ ‬ضمن‭ ‬الحدود‭ ‬الرسمية‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭. ‬هذا،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬يصر‭ ‬فيها‭ ‬عديدون‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬منطقة‭ ‬القطب‭ ‬الشمالي‭ ‬ليست‭ ‬ضمن‭ ‬الحدود‭ ‬الإقليمية‭ ‬للبلدان‭ ‬المشاطئة‭ ‬لهذا‭ ‬المحيط‭ ‬فهي‭ ‬ملك‭ ‬الإنسانية‭ ‬جمعاء‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬أمة‭ ‬الادعاء‭ ‬بالسيادة‭ ‬على‭ ‬أجزاء‭ ‬خارج‭ ‬حدودها‭ ‬الإقليمية‭. ‬

مشاركة :