النزاعات العشائرية في العراق .. إلى أين؟ حسين الزيادي يشير تنامي النزاعات العشائرية في العراق إلى عجز عميق في وظيفة الحكومة حيال توغل بعض الممارسات العشائرية التي تمثل انتكاسة لفكرة التطور الإنساني، وقد بدأت هذه النزاعات تدق ناقوس الخطر لأنها غالباً ما توقع ضحايا من المدنيين و تسهم في نزوح العشرات من العائلات عن مناطقهم، بعد ان أصبح السلاح هو اللغة السائدة بين الأطراف المتنازعة، وهذه مخاطر كارثية وأمنية واجتماعية تؤدي لترهيب عوائل أمنة ومقتل أناس ليس لهم علاقة بأطراف النزاع او قطع طرق عامة ورئيسية، وما يترتب على ذلك الاقتتال من ارامل وامهات ثكلى وأطفال يتامى. يعتمد العنف العشائري على طبيعة ثقافة المجتمع وعلى سلطة القانون ومدى قوته وتأثيره الفاعل، فقد كان الارتماء في احضان العشائرية له ما يبرره سابقاً لأنه الركن الوثيق الذي يلجأ إليه الفرد حفاظاً على نفسه وكيانه في ظل غياب القانون وعادةً ما تتنافس سلطة القانون في المجتمع العراقي مع سلطة العشيرة، فكلما ضعفت سلطة القانون قويت سلطة العشيرة، وقوة العشيرة تسود في ظل غياب سلطة القانون، فيركن الأمر إليها في تسيير شؤون المجتمع ، وهذا ما حدث بعد عام 2003? ولسنا في صدد الحديث عن قوة العشيرة وضعف القانون لكننا نتفق مع النظرية القائلة كلما ضعفت الحكومة برزت العشيرة لذا أصبحت عبارة(مطلوب عشائرياً) مشهداً مألوفا على اوجه بعض الدور والمنازل والمحلات او تهديم منازل أو تهجير عوائل أو انتشار مسلحين بمنطقة معينة أو اشتباكات لعدة أيام بين عشيرتين. وتُعزى أسباب ازدياد حالات النزاعات العشائرية في الوقت الحاضر إلى عجز السلطة التنفيذية وفشل الحكومة في تحقيق حماية رعاياها، نتيجة المحاصصة السياسية بين الجماعات القابضة على السلطة والذي حوّل الدولة إلى غنيمة تتقاسمها المكونات، كما حوّل المكونات الاجتماعية إلى هويات سياسية متصارعة في ظل اقتصاد ريعي طفيلي وبطالة مقنعة بلغت اوج حضورها اليوم ، وتفشي لفقر مدقع وتهالك في البنى الخدمية والارتكازية. ونحن هنا لسنا بصدد انتقاد منظومة العشيرة، لكننا بصد نقد بعض الممارسات السلبية التي يقوم بها البعض، فبعد عام 2003 عادت العشيرة بقوة وفعالية إلى السيناريو العراقي وحققت نجاحات من خلال السيطرة على الفوضى العارمة التي تفاقمت بعد دخول القوات الامريكية الى العراق ، كما لعبت العشائر دوراً ريادياً وعلى مختلف الأزمنة سواء في الثورات أو الانتفاضات أو ترسيخ الامن ببعض المناطق ومساعدة الدولة في كشف بعض المؤامرات الموقف القانوني من النزاعات العشائرية من الناحية القانونية لا وجود وصف لجريمة اسمها نزاع عشائري، لأنه لا جريمة ولا عقوبة الا بنص، لكن جرت العادة على إطلاق هذه التسمية على ردود الأفعال الجماعية تجاه فعل معيّن بذاته، فإن معظم جرائم القتل تواجَه باحتجاج من ذوي المجني عليه تجاه الجاني وذويه وعشيرته وأن وجود نص قانوني يؤكد بأن كل فعل يقوم به الأشخاص يعد جريمة إذا كان يجرّمه القانون، مثالاً على ذلك فعل إزهاق روح إنسان، فإن القانون وصفه بأنه جريمة قتل وفقاً لأحكام المادة 405 وما بعدها، من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل”. فإذا كان فعل القتل تم بواسطة شخص واحد أو عدة أشخاص فإنه فِعل قتل يعاقب عليه القانون، من دون الالتفات إلى ما إذا كان الفعل من جراء نزاع عشائري أم نزاع فردي، وهو جريمة يعاقب عليها القانون بعقوبات شديدة وكذلك فعل التهديد فإنه جريمة يعاقب عليها القانون، سواء قام شخص بعينه أو جماعة تمثل عشيرة أو أي تجمع بشري فإن الفعل يشكل جريمة يعاقب عليها القانون”. بدأ قضاة التحقيق بتكييف بعض المواضيع المتعلقة بالنزاعات العشائرية مع قانون مكافحة الإرهاب، من خلال مواد عقابية يصل حكمها إلى السجن المؤبد أو الإعدام أحياناً، ومنها ما يصطلح عليه (الدكة العشائرية) او المتسببين بالنزاعات العشائرية، واقرت المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب لعام 2005? على أن التهديد الذي يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أياً كانت اسبابه، يعد من الأفعال الإرهابية التي يجرمها القانون. كما تحاسب المحاكم العراقية، المتورطين بالنزاعات العشائرية بموجب قانون مكافحة الإرهاب وان عقوبة الأشخاص المتورطين باندلاع نزاع عشائري قد تصل الى الإعدام او المؤبد في مسعى من المشرع العراقي للحد من الظاهرة . أسباب النزاعات العشائرية { انخفاض الوعي الجماهيري الذي ربما شمل هرم السلطة التنفيذية والتشريعية، وإلا ما معنى ان يلجأ نواب او وزراء للعشيرة لمحاسبة واخذ فصل ممن اتهمهم بالتشهير او الاساءة اللفظية في حين هم الاقرب لفهم دور وواجب القضاء، وما معنى ان يستند الوزير او المحافظ او حاكم الوحدة الادارية الى افراد عشيرته في بسط نفوذه . { ضعف تطبيق القانون وضعف القائمين عليه او تخوفهم من تطبيقه، وربما مغازلة بعض المسؤولين للحصول على مكاسب انتخابية او دعم سياسي. { وجود خزين كبير من الاسلحة بمختلف انواعها ، فضلاً عن استمرارية تدفقها عبر السوق السوداء من جهات عدة ، فضلا عن تسليح بعض العشائر بحجة مقاتلة داعش. { عدم الاعتماد على القيادات الأمنية المهنية والمؤهلة بما لديها من خبرة في وضع خطط أمنية تتلائم مع طبيعة المكان والسكان، وهو امر يعود الى تفشي الفساد المالي والاداري. { توالت على المجتمع العراقي العديد من الحروب والتقلبات السياسية التي منعت الكثير من الشباب من الحصول على تعليم كافٍ، فنشأت عن ذلك أمية جديدة بين الشباب. { خلَّفت ظروف الحرب والحصار والعمليات الارهابية عدداً كبيراً من العاطلين عن العمل، وأيتاماً وأرامل، كل تلك العوامل اسهمت في تفشي اجواء يسودها التفكك الاسري. { عدم الثقة بعدالة القانون لدى البعض، ففي حالة وقوع حالات تهديد أو ظلم على فرد أو جماعة مما يضطر البعض إلى اللجوء إلى عشائرهم، من دون القانون. { العولمة والتقدم التكنولوجي اسهم في تنامي العنف في ظل مشاهد القتل التي جعلت من شخصية الفرد ممتلئة بالعنف، فيؤمن بالقوة كلغة سائدة. والجدير ذكره أن اغلب النزاعات في المناطق ذات الامتداد العشائري قد تكون أسبابها بسيطة كالزواج أو الطلاق أو الخلافات على مستحقات مالية، وهي مشاكل بسيطة يمكن تجاوزها باقل الخسائر. ان بسط الامن وحماية المواطن وتامين الطرق من اولويات الحكومة ومن اهم مسؤولياتها ، لذلك فان الامر يتطلب القيام بحملات أمنية للبحث عن الأسلحة لا سيما الثقيلة منها وفي مختلف مناطق النزاع العشائري ومحاسبة حائزيها، وتضافر جهود رجال الدين في تحريم السلوكيات العشائرية السلبية ، وتفعيل دور القضاء ودعمه من قبل القوات الأمنية في فرض القانون من خلال ردع من يحاول النيل من القضاء أي تفعيل سيادة القانون ، فضلاً عن إشاعة ثقافة التسامح والتأخي بين شرائح المجتمع.
مشاركة :