'عبور' نص درامي يجمع بين اللعب المسرحي والفلسفة والأسطورة

  • 11/20/2021
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

ينطلق النص المسرحي الجديد للمسرحي والناقد المغربي عبداللطيف فردوس "عبور" من رؤية يلخصها في كون "الإنسان يموت تحت شتى أنواع المبررات حتى صار الحي بارعا في الموت" متسائلا "كيف يمكننا أن نتوهم بأننا نحسن صنعا بتقبل ثقافة من أجل حياة أخرى؟ هل يمكن للحب أن ينبث في فضاء الموت؟ كيف تم ربط الكتابة بالموت؟ ومع ذلك تظل فكرة أن الكتابة تولد تحت جلد الموت مدهشة".  ويشير إلى أننا "نحن غرقى في الموت... قوارب، ألغام، حوادث سير، حروب، اغتيالات وأوبئة، سواد "داعشي" محمول على رياح الصحراء الممتطي إبل الانحطاط المنبعث من خشخشة أكفاننا القديمة، الزارع في أرواحنا مذاق الرعب، الإرهاب منبع موتنا الذي تحجر". يقوم نص "عبور" على تركيب مسرحي يعتمد "الأبواب المغلقة لجان بول سارتر" فضاء، و"رقصة الموت" لفيكتور حاييم" بناء دراميا، وكتابات بتيمة الموت لأدونيس، شارل بودلير، الطاهر أمين، الطاهر بنجلون، كارسيا ماركيز، نيرودا، بورخيس، المرنيسي، الخمار الكنوني. ثلاث قراءات نقدية لثلاثة نقاد يتابعون الإنتاج المسرحي للكاتب قدمت للنص كاشفة عن تجلياته الجمالية والفنية والفكرية.  حيث رأت الباحثة والأستاذة بالكلية المتعددة التخصصات بتارودانت، جامعة ابن زهر، د. نزهة حيكون أن النص "مسرحية عبور" يراهن على الحياة رهانه على الموت، فإذ يبدأ بموت الممثلة على خشبة المسرح، فهو يسمح لها بالحياة من جديد وِفق لعبة أو اختبار يجعلها تلِج العالم الآخر الذي ينتظرها. عالم أكثر حقيقة مما كانت تعيشه، تتحول ديكورات المسرحية إلى أثاث لعالم الأموات بعد أن كانت عالما متحركا للشخصيات والأحداث والصراعات بين الأبطال. يستقبل الممثلة بعد موتها خادم يحاول اختبارها لأجل التأكد من أحقيتها في أن تكون ضمن العالم الآخر أم لم يحن بعد أجلها، وفي لعبة الأخذ والرد هذه يحدث شبه تواطؤ بين الاثنين، وتظهر مشاعر حب خفية تربط العالمين. وتضيف "أكثر ما أثارني في هذا النص هو وضع مجموعة من القضايا الإنسانية موضع تساؤل ودهشة من بينها: الحدود بين الإلهي والإنساني، الموت باعتبارها نهاية، والحب كبداية لحياة جديدة. الخشبة كعالم للعب وحياة لأشخاص متخيلين، والعالم الآخر الذي يطويه الغموض في كل الثقافات الإنسانية. هذا المزج المليء بكثير من المغامرة يدفع بالنص إلى تخوم فلسفية قد تكون مستعصية لو تعلق الأمر بكاتب غير عبد اللطيف فردوس الذي دأب على خوض غمار الكتابة بنفس متوثب، وروح مغامرة، لأن الكتابة عنده عشق وفعل حياة. وتحلل الناقدة والباحثة د.أسماء بسام المسرحية مؤكدة أنها تقدم جدلاً حول سكرات الموت، وتضع المتلقي أمام جدليات متعددة تظهر بداخل الفضاء المسرحي، حيثُ يعتبر هذا الفضاء جسرا يعبر بالمتلقي إلى عالم الموت وجدلياته في تسع سكرات.. تحوي البحر وقاعه والنار والجحيم. نبحر في هذا الموت، قمة الوجع والألم حينما نبحر في الموت، ويأخذنا قبطان السفينة إلى حيث لا نعلم ولا ندري، وفي النهاية نسقط في القاع، وبالرغم من وجود الموت في كل مكان إلا أن الكاتب يخاطبه، وكأنه بعيدًا عنه، قمة التناقض بـ (أيها) هذا البعيد ثم (في كل مكان) هذا القريب جدًا لدرجة أننا نبحر فيه بذاواتنا. وترى أن المؤلف يستدعي معبرًا ثقافيًا دلاليا مهما من خلال الشعر والفلسفة. والأسطورة والطقوس الأسطورية.. تتبلور لغة الجسد الأدائي لتحيل الموت إلى الحياة والحياة إلى الموت، لنجد أنفسنا أمام معبر قبر يعيش في وجود الجسد والعكس جسد يعيش في وجود القبر، فهي جدلية الموت والحياة، جدلية القبر الثقافة كحياة ثقافية تتطلب أداء وطقوس وشعر وتحدي للموت بالمعرفة الثقافية، وإعادة الحياة إلى الجسد المقبور.. نحن لا نموت بالموت، الموت هو من يخبر الحياة بالوجود ويشعل نار الهوية الثقافية ويشعل الكلمات ويشعل الحياة ذاتها، ولعل الموت هنا هو طاقة أخرى تجذبنا إلى الواقع المحاصر الذي يحاصر الهوية والرغبات الإنسانية المكبوتة والواضحة، نحن لا نملك أن نعيش أو نموت لكننا نملك أن نحيا بهويتنا الثقافية وخطابنا المعرفي.. فشهريار وشهرزاد كانا بين السكرتين، وكان بورخيس شاهدًا على السكرة الأولى، ويبقى الجمهور شاهدًا آخر على هذه الثقافة المتشعبة التي يحملها لنا المؤلف.  وتتوقف السكرات في النهاية لنجد أنفسنا بين السكرتين لا سكرات، ولكن استدعاء هوية وتفاوت جدليات.. تعتبر المسرحية خطة لا نهاية لأحداث نعيشها في الواقع المحتوم من صراع وحصار وواقع مغلوب على أمره وواقع مقاوم، حيثُ تحمل شبكة أضداد لا متناهية من تأزم الهوية وانعدام الثقة بالقرارالنهائي. ويلفت الناقد والباحثد.أحمد بلخيري أن عبداللطيف فردوس "مسرحي خَبِرَ اللغة المسرحية عن طريق الممارسة، والتأليف، والإعداد، والاقتباس، والتركيب. هذا علاوة على القراءة والمشاهدة. نصوصه الدرامية لا تندرج في إطار شكل درامي واحد.. ثقافة عبداللطيف فردوس، كما تعكسها إبداعاته الدرامية/المسرحية، لا تقتصر على الثقافة الشعبية، والشعر، والسرد..بل إن ثقافته تتسع لتشمل أيضا الفلسفة. هذا ما يبدو جليا في هذا النص الدرامي "عبور"، حيث تعتبر الموت فيه محور الأحداث الدرامية. وقد ترددت فيه أسماء فلسفية مثل سقراط، وشوبنهاور، وسارتر، وهايدجر، ارتباطا بتلك الأحداث. ويشير بلخيري إلى أن فردوس قسم نصه الدرامي إلى ثماني "سكرات"، والسكرة مرتبطة بالموت، تضاف إليها "السكرة" الأخيرة التي كان عنوانها "بين السكرة والسكرة".  إن "الكلمة المفتاح"، فيما يبدو، لولوج عالم هذا النص الدرامي هي مصطلح "تركيب مسرحي". وهذا الأخير يفيد هنا الجمع بين مكونات أدبية/اقتباسات مختلفة لأدباء وفلاسفة مختلفين لغة وأوطانا: جان بول سارتر، نيرودا، بورخيس، أدونيس، فاطمة المرنيسي، محمد الخمار الكنوني. لم تكن هذه المكونات في الأصل مجتمعة، غير أن الحس الإبداعي الدرامي/المسرحي جعلها تجتمع في هذا التركيب، وموضوعه هو الموت.لقد وظف الكاتب، بطريقة إبداعية، لحظة الغيبوبة لبناء عالم درامي وابتكار متخيل درامي..  ويؤكد إن نص "عبور" جمع بين اللعب المسرحي، والفلسفة، والأسطورة، وألف ليلة وليلة، والشعر المنتقى بعناية، والتقنية البريختية.. نص.. ينطوي على حمولة ثقافية عميقة.. ثم إنه نص مسرحي غير منفصل عما يحدث في العالم اليوم: الإرهاب، و"بضاعتنا ردت للبحر، فلا أموال ولا أبدان"، في إشارة إلى قوارب الموت. وفيه تم تحيين شخصية شهريار تفاعلا مع ما يقع في الحياة العربية المعاصرة.  هذا النص الدرامي، في نهايته كانت كلمة "القتل"، وهو موت غير طبيعي. والقتل فيه نوعان: مادي يُفضي إلى الموت، ومعنوي يجعل الحي "ميتا". نوعا القتل هذان سببهما، حسب الملفوظ الدرامي، الحروب، والاغتيالات، والقوارب، والألغام، والحوادث، والألغام، والإرهاب، والأوبئة، والسواد الداعشي، والانفجارات الموصوفة بـ "الحمقى"، وصف يدل على موقف منها. وللقتل بمعنييه ضحايا. هي إذن أسباب متعددة.

مشاركة :