في كل مباراة تلعب داخل الملاعب الأوروبية تتجه أعين الكاميرات نحو المستطيل "الأخضر" ترصد وتترقب كل تحركات اللاعبين، وتصل تارة إلى دكة البدلاء لرصد تحركات المدربين وردة أفعالهم، لا يُقبل الأمر أن تتسمر أقدام المصور أمام رئيس نادٍ ما أو أن تعيد يدا المخرج منظر رئيس النادي وهو يتفرج على المباراة أكثر من مرة وهو يصرح أكثر من اللاعبين والمدرب بعد نهاية المباراة، فالتركيز ينصب على اللاعبين والمدربين من دون الاهتمام بشكل مبالغ فيه برؤساء الأندية، ولكن الأمر يختلف كلياً في الملاعب السعودية إذ ينافس ظهور رؤساء الأندية أثناء المباريات ظهور اللاعبين وقد يتفوق على المدربين، فتكون الكاميرات مثبتة أمامهم لرصد كل تحركاتهم سواء كانوا على مقاعد البدلاء أو في منصة الملعب، الأمر الذي يتجاوز حد المعقول في تكرار هذه المشاهد بشكل متواصل طيلة مجريات المباراة مما قد يخرج بالمتابع عن المستطيل الأخضر إلى المضمار. في الرياضة السعودية يعتبر الرئيس هو الآمر الناهي لا تقبل كلمته القسمة على رأيين، فينفرد بالقرارات ويتباهى بالمنجزات في غالب الأمر وحده ليظهر بهذا قدراته الإدارية الفائقة، فينسف بعضهم جهد مجلس إدارته أو الجهاز الإداري وبعض الرؤساء قادته "الأنا" لنسف جهود المدرب حتى ليكون وحده رجل الإنجاز الخارق. بات الجمهور في السعودية يتسابق لالتقاط صورة تذكارية مع رؤساء الأندية مثلما يتسابقون للتصوير جوار اللاعبين والمدربين، لا أحد ينكر أن للرؤساء جهوداً هامة وأساسية في إدارات الأندية لكن الأمر لا يعدو أن يكونوا مجرد متابعين بصمت للمشهد بعد أن تنطلق خياراتهم الإدارية والفنية في مضمار العمل للمنافسة على المنجزات والألقاب، فلا يمكن أن ترى في أوروبا رئيس نادٍ يحضر تدريبات فريقه بشكل يومي أو يتابع شؤونه في كل ساعات حياته، نعلم أن المنظومة الإدارية تختلف في السعودية عما هي عليه في أوروبا إذ تدار الأندية بنظام مؤسسات وشركات وهذا الأمر لا ينطبق هنا في الرياضة المحلية، لكن ممكن أن تدار الأندية بطريقة مقاربة لما عليه الحال في أوروبا من خلال الاستعانة بمجلس إداري قوي ومتماسك ونشط في العمل، فلو طبق كل عضو مجلس إدارة عمله والمهام المتعلقة به لأنجز مجلس الإدارة العمل دون الحاجة للضغط على رئيس النادي وجعله في صورة الحدث دائماً. يبرز الكثير من الرؤساء في الرياضة السعودية لأنهم يعمدون في الغالب إلى تكوين مجلس إدارة صوريّاً يعمل فيه الرئيس واثنان معه والبقية "كومبارس"، لذلك يظلون حاضرين في المشهد ينافسون اللاعبين والمدربين بالظهور الإعلامي والفضائي، لا أجد مبرراً إلى ظهور رئيس أي نادٍ للتعليق على كل قضية تخص ناديه إعلامياً وتبريره لكل هزيمة أو شرحه كيف انتصر فريقه، لا يعني هذا أن تحجب صورة رؤساء الأندية ويغيبون عن المشهد بالكلية فالعمل الناجح لا يعني كثرة الخروج للفضائيات والتنافس عليها، ولعل هناك إدارة عبرت في محيط الكرة السعودية ونجحت بهدوء من دون ضوضاء تستحق أن يشار إليها بالبنان، الشاب المهندس عبدالعزيز العفالق استلم إدارة الفتح وحقق منجز الصعود إلى دوري الأضواء ثم حقق لقب الدوري السعودي للمرة الأولى بتاريخ ناديه وحصد كأس السوبر ولم يسجل حضوراً مبالغاً به في الفضائيات والإعلام بل إنه نادرا مايخرج بحديث فضائي أو مطول عبر الإذاعة والصحف، والانشغال بالتغريدات والردود على المعجبين والمنتقدين، لذلك لم يكن الفتح نادٍ مخصص كأندية أوروبا بل نادٍ حكومي كبقية الأندية السعودية وعلى الرغم من ذلك عملت إدارة العفالق بنظام المؤسسات فبرز في الفتح مدير كرة انضم للجهاز الإداري في المنتخب وذاع صيت نائب رئيس تقلد مناصب رئاسة ناديه وبرز المدير الإعلامي للنادي نفسه حتى بات هو المتحدث الرسمي للمنتخب، كل هذه النجاحات الإدارية التي ولدت من رحم الفتح تبرهن على وجود عمل منظم ومرتب أتاح للجميع حرية العمل المطلق، وبعد هذه النجاحات لم يتشبث العفالق بكرسي الإدارة بل حمل حقائبه وغادر ليترك للآخرين مجال العمل الإداري وتقديم المزيد للنادي الأحسائي. رؤساء الأندية في السعودية في غالب أمرهم يتعاملون مع العمل الإداري بنظام التملك والوراثة، فلا يقبلون أن تحرك ورقة من فوق أحد مكاتب النادي من دون علمهم المسبق والأخذ برأيهم، ويغفلون منح العاملين معهم فرصة العمل وإبداء الرأي وإبراز قدراتهم وتقديم المفيد لأنديتهم من دون أن ينفرد رئيس بكل القرارات وحده، لن يتأثر أي فريق إن امتلك مدرباً ناجحاً وجهازاً إدارياً قوياً بقرب الرئيس إليه أو ابتعاده عن الفريق ولكن التأثير الذي يطرأ في بعض الأندية السعودية حين يغيب الرؤساء عنها عائداً إلى أن العمل مرتبط به وحده فحين يغيب تتعطل كل مصالح العمل داخل النادي مما يفضي لتراجع أداء الفريق وتشتت أذهان اللاعبين وحين يعود تنصلح بعض من الأمور فيحافظ على شكله الإداري القوي أمام جماهير ناديه والشارع الرياضي ليكون هو الرئيس الأفضل. في ريال مدريد وبايرن ميونيخ وبرشلونة ومانشستر يونايتد وليفربول ويوفنتوس وأشهر الأندية العالمية الأخرى لايعرف الرؤساء لأنهم منهمكون بالتخطيط والعمل والتركيز على الإنتاجية وتقديم هذه الأندية بثوب البطل دائما وحتى إذا صرحوا فهم يعرفون ماذا يقولون وأغلبهم يتحدث وفق نقاط محددة وقانونية ولا أحد (يمسك عليه كلمة خاطئة) لأنه لديه مستشارون كبار يساعدونه على أن يتحدث باتزان ووفق رؤى واضحة، أما في الكثير من الأندية السعودية فلا صوت يعلو على صوت الرئيس، والمزعج أكثر أنه عندما يغادر يعود النادي إلى نقطة الصفر، لماذا؟.. لأنه لم يؤسس لعمل وخطط بعيدة الأمد، إنما رسم في ذهنه نتائج وقتية يظهر من خلالها بثوب الرئيس الذي لا قبله ولا بعده، وبالفعل فبعض رؤساء الأندية لدينا لا قبلهم ولا بعدهم في التصريحات التي كثيرا ما وضعتهم في حرج، خصوصا التي تحمل الوعود البراقة.
مشاركة :