الإنسان في بحث دائم عن كل ما هو أفضل في الحياة، يبحث عن الرفاهية، عن الاستقرار وعن راحة البال في الحياة… هذا هو ما يرغب في تحقيقه كل إنسان، أما واقع الحال فيبدو وكأن هذا الهدف بعيد المنال. إنّ مقارنة هذا الهدف الإنساني الفردي مع مخطط الحياة لإنسانها، يكشف أنّ الهدف هو نفسه، لا فرق! فالحياة لن تضمر إلّا الخير، كل الخير للإنسان. فلماذا إذًا لم يستطع الإنسان تحقيق مبتغاه؟ الاختلاف بين رغبة الإنسان وإرادة الحياة يكمن في النهج للوصول إلى تلك الحالة من الاكتفاء والرفاهية. فالمصاعب والتجارب الحياتية التي لا تفارق الإنسان، وكأنّها تلاحقه لتسلب منه اللحظات الهانئة، هي في حقيقتها تجارب تؤهل النفس عبر تنقيتها من سلبياتها للوصول إلى تلك الحالة من الرفاهية والاستقرار! في بادئ الأمر، ولتوضيح المقصود يجدر التذكير بأنّ التطوّر هو الثابت الوحيد في الحياة، فإذا ما كان قدر الإنسان هو التطوّر المستمر، فما يفعله المرء إراديًّا بغية تحقيق هذا التطوّر هو بالتحديد ما تريده منه الحياة لتكافئه بتلك “الرفاهية” التي يبحث عنها. أمّا في غياب المبادرة الفردية لصقل النفس والرفع من شأنها، “تضطرّ” الحياة إلى التدخّل لتحفيز الإنسان على التطوّر. وهذا يُترجم على أرض الواقع بالصعوبات والمنغصات الحياتية، أو في التجارب الصعبة وأحيانًا المؤلمة. هذه الصعوبات والمنغصات ليست عقابًا كما يظنّ البعض، هي في الواقع مساعدة من الحياة للإنسان الذي تجاهل تطوير نفسه، لأنّ أكثر ما يعلّم الإنسان ويفتّح وعيه، هو تلك التجارب القاسية… فهي تلعب دور العامل المساعد catalyst)) فترفع من شأن النفس وتجبرها على الانفتاح على الجديد. هنا وبغاية توضيح المقصود، يطيب لي الاستشهاد من كتاب “عاد ليخبر”، ص88 بقلم الدكتور جوزيف ب. مجدلاني (ج ب م)، مؤسس مركز علم الإيزوتيريك الأول في لبنان والعالم العربي، لو أنّ الإنسان “يدرك، حين تقسو عليه الحياة، هدف الحياة من الآلام التي يتعرّض لها تباعًا… لما كان الألم ألمًا كما يتحسّسه الإنسان، ولكانت سعادة الفهم هي المهيمنة!” فهم التجارب هو المقصود، ولأنّه ما من عشوائية في نظام الحياة، لذلك، فإنّ كل ما يصادفه المرء من آلام وأفراح، من خيبات أمل أو نجاحات، كلها نتائج لأفعاله، والتمعّن فيها وفي مسبباتها يلغي شعور الألم ويحوّله إلى معاناة، معاناة الفهم والتطوّر. فبين إرادة الحياة ورغبة الإنسان خط فاصل، هو التطبيق العملي لما تلقّنه الحياة لابنها الإنسان في تجاربها واختباراتها. وإن بادر الإنسان إلى تطبيق معرفة الإيزوتيريك، تماشى مع إرادة الحياة، لأنّها تطبيق لإرادة الحياة، وبالتالي استباق للمنغصات وتفاديها، وتخلّص من كل ما يعكّر صفو الفكر والمشاعر، وبالتالي العيش في “رفاهية باطنية” لا تزعزعها أية تجربة خارجية، بل تكون (التجارب) الحافز الأساس لحياة أرقى وأكثر تطوّرًا…
مشاركة :