حياة الرايس: أكتبُ لأكون كما أريد لا كما أرادت لي الحياة

  • 2/27/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

صدرت حديثا للكاتبة التونسية حياة الرايس رواية سيرة ذاتية بعنوان “بغداد وقد انتصف الليل فيها”، وفيها تتعرض لفترة تاريخية هامة من تاريخ العراق تبدأ منذ السبعينات. وعن سبب اختيارها لقالب الرواية السيرية تقول “ليس الشكل الروائي أقل خصوبة من شكل السيرة الذاتية. ليست المشكلة هنا في المحتوى، ولكن التداخل يقع على مستوى الشكل. ورغم أن الرواية فن قائم بذاته والسيرة كذلك فن قائم بذاته إلا أنه كثيرا ما يقع التداخل بينهما، وما يجمع بينهما أكثر مما يفرق. فكلتاهما تنتميان إلى مجال السرد القصصي أو ما يماثله بل وتنطلقان منه لبناء نصوصهما، كما تحتكمان إلى الواقع الراهن أو المستعاد في خلاصة تتماهى مع عرض لموقف ما مما جرى ويجري”. وتتابع الرايس “تشتبك الشخصية المكتوبة بالضرورة في تدوين خطاطة تقترب من الشهادة. الحقيقة أنني اخترت أن أكتب سيرتي الذاتية أو مرحلة من حياتي في شكل رواية، وقد كنت أستطيع أن أختار شكل القصيدة أو المسرح أو غير ذلك، لأن السيرة ليست حكرا على الرواية. وقد كنت وفيّة لميثاق الناقد المُنظِّر لفن السيرة الذاتية فيليب لوجون ووضعت عهدا بيني وبين القارئ في مقدمة الرواية ينص على أنها رواية سيرة واقعية وشهادة على العصر. إذ هي مذكراتي الجامعية ببغداد، وذكرت كل الأشخاص بأسمائهم وكذلك الأماكن والأحداث، لأنها شهادة على الذات وشهادة على الواقع وعلى العصر، وتأريخ لمرحلة زمنية معينة من تاريخ العراق أواخر السبعينات وبداية الحرب الإيرانية العراقية، ولم أتخفّ وراء أقنعة وأسماء مستعارة والتكلم بضمير الغائب مثلما يفعل بعض الكتاب في التقنية الروائية هروبا من إحراجات خاصّة، مع العلم أنه ليس هناك أدب خال من التخييل”. العُمق الحضاري تغوص هذه الرواية في فترة تاريخية مؤثرة من تاريخ العراق منذ السبعينات وأوائل الثمانينات وهي المرحلة التي قضتها الكاتبة في بغداد للدراسة، وتوضح “لحقت حكم أحمد حسن البكر، وعشت مرحلة حكم صدام حسين، كما كتبت عن الحرب العراقية الإيرانية التي عشت تفاصيلها وهولها والدراسة على ضوء الشموع في الملاجئ وقت القصف، على إيقاع صفارات الإنذار وقت الغارات وأزيز الطائرات وصوت المدافع والقنابل”. لا يمكن أن نذكر العراق من غير استخراج عمقه الحضاري والرجوع إلى ينابيع حضارة بلاد الرافدين ومدنه العريقة وتستطرد الرايس “لا يمكن أن نذكر العراق من غير استخراج عمقه الحضاري والرجوع إلى ينابيع حضارة بلاد الرافدين ومدنه العريقة، مدينة الكوفة مثلا يذكر أغلب الناس تاريخها الإسلامي ولكن قليلا من يعرف تاريخها المسيحي وكنائسها الشهيرة ومعالمها التاريخية قبل الإسلام دون إهمال الحياة الثقافية بأهم أعلامها وكتابها وأدبائها، كما كانت تتميز تلك الفترة باستقطاب الطلبة العرب والأجانب من كل الجنسيات بحيث كانت كليتنا عبارة عن فسيفساء حضارية تلتقي فيها كل الجنسيات من مختلف أنحاء العالم وكأنها مركز الكون. وفي النهاية تعتبر الرواية وثيقة سياسية وثقافية وحضارية واجتماعية وشهادة على العصر بأحداث واقعية وأسماء صريحة ووقائع تاريخية”. ويشغل الكاتبة في جُل أعمالها هاجس المرأة المستضعفة ومعاناتها من الثقافة الذكورية المهيمنة، وتُبيّن أنها نشأت في عائلة تقليدية تُبجّل الذكر وتميّزه عن الأنثى رغم أنها كانت كبيرة إخوتها وتحظى بتقدير الأخت الكبرى، لكنها كانت حسّاسة تجاه تمييز المجتمع ككلّ للذكر دون الأنثى والنظرة الدونية التي تعامل بها هذه الأخيرة. وتوضح “شخصيا لا يحرجني وصف النقاد لكتاباتي بأنها ‘أدب نسوي’ وأن أكون من المدافعات عن قضية المرأة، ومن أشرس المدافعات أيضا، كما دافعت عن عدة قضايا أخرى في كتاباتي، لأن الكاتب الذي ليست له قضية ليس بكاتب وإنما هو يلعب لعبة ترصيف الكلمات، ولكني ألحُّ على أن قضية المرأة عندي قضية مجتمع بالأساس وقضية سياسية أيضا باعتبارها تمس الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية والمساواة بين البشر، وليست قضية فرد صادف أنه كان امرأة. وأنا أُصنف ‘كاتبة نسويّة’ ربما لأن أغلب عناوين أعمالي تحيل إلى المرأة مثل مجموعتي القصصية الأولى ‘ليت هندا’ وكتابي الثاني ‘جسد المرأة من سلطة الإنس إلى سلطة الجن’، والثالث ‘سيّدة الأسرار: عشتار’ ثم المجموعة الشعرية ‘أنثى الريح’ وسلسلة قصص الأطفال ‘حكايات فاطمة"”. شهادة على الذات وشهادة على الواقع شهادة على الذات وشهادة على الواقع وتقول الكاتبة التونسية “أكتبُ لأكون كما أريد أن أكون لا كما أرادت لي الحياة. أي: أكتبُ لأكونَ حاضرة الآن، ولأبقى حين أغيب. فكتابة الذات إن لم تكن ذات بعد إنساني ينطلق من التجربة الفردية ليمس الإنسان أينما كان وفي أعماقه ووجدانه، فهي غير ذات جدوى سواء كانت بالنسبة للمرأة أو الرجل”، مشيرة إلى أن كتابها المُقبل سيكون الجزء الثاني من رواية السيرة الذاتية المتعلقة بباريس بعد بغداد. مسيرة إبداعية بدأت الرايس حياتها الأدبية بكتابة القصة من خلال مجموعتها القصصية “ليت هندا” التي تلتها مجموعتان أخريان هما “أنا وفرنسوا وجسدي المبعثر على العتبة” و”طقوس سريّة وجحيم” ثم مسرحية ميثولوجية “سيّدة الأسرار عشتار” وهي ملحمة شعرية وقصة حب أسطورية بين عشتار وتموز، ثم جاء ديوان الشعر “أنثى الريح”. وتقول الكاتبة عن كتابتها للشعر “الشعر ليس في القصائد إنما هو مبثوث في الكون. وما على الكاتب إلا اقتناص ومضاته ونفحات طيب ريحه. وأنا في السرد أو في القصيدة أحب أن تكون جملتي شعرية ومفردتي شعرية. ولعل ذلك ما يجعل النقاد يرون أن نصوصي القصصية والروائية والمسرحية تتميز بمناخات شعرية وطقس شعري. وهذا يسعدني لأني أحب أن يكون نصي وثيرا وثريّا متنوعا يجمع بين السرد والشعر والفلسفة باعتبار اختصاصي الفلسفي أيضا”. نشرت الرايس مجموعتها القصصية الأولى “ليت هندا” عام 1991، وبدأت كتابة القصّة أوائل الثمانينات من خلال النشر في الجرائد والمجلات التونسية والعربيّة على مدى عشرية كاملة، ولم يأت نشر المجموعة الأولى إلا بعد إحساسها بالنضج الإبداعي، وبعد طول عمر إبداعي تلته عدّة قصص وعدة كتب تقول الرايس “لم أنس تلك القصص وقد استيقظ فيّ مؤخرا ما يشبه ‘الضمير الإبداعي’ وراجعت فيها نفسي ووجدت أنني وإن تنكرت لها فإنها لم تتنكّر لي ولم تنكرني وبقيت شاهدة على بداياتي، ورأيت أن أعود إليها فأظهرها على الملأ من جديد وأضمنها إعادة طبع مجموعة ‘ليت هندا’ بما يليق بفضل البدايات في مسيرتنا وتكويننا الأدبي والإبداعي، وأهديها للقراء من جديد الذين أحبوها وافتقدوها ولامونني إذ أقصيتها أو كنت قاسية عليها، وهم الحكم في النهاية. وهي تاريخي وبداياتي ومرحلة التأسيس لمسيرتي القصصيّة خاصة والأدبيّة عامّة”.

مشاركة :