أظهر تحسين نوعية الغذاء المقدم للابقار فاعلية في تقليص انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحترار المناخي، اذ تبين أن زيادة العشب في علف 40 بقرة أدى إلى تقليص كمية من غاز الميثان المنبعث منها توازي كمية الغاز المنبعث من سيارة على مسافة 470 ألف كيلومتر. ويتبع هذا النظام الغذائي للابقار، المزارع لوك بريزار وزوجته ماري فرانسواز، واضعين كميات أكبر من العشب وأقل من الذرة والصويا في مزرعتهما الممتدة على 100 هكتار في مايين غرب فرنسا. ويبدو أن اتباع هذه الطريقة في تربية المواشي من شأنه أن يساهم في جهود مكافحة الأحترار المناخي، إذ ان انبعاثات غازات الميثان من الحيوانات المجترة تطرح مشكلة حقيقية على المناخ، وتشكل ما نسبته 3 إلى 5 في المئة من انبعاثات الغازات المسببة لأرتفاع حرارة الأرض في فرنسا. وعلى مستوى العالم، تساهم الأنشطة الزراعية بما نسبته 20 في المئة من انبعاثات هذه الغازات، علماً بأن غاز الميثان الأشد وطأة على المناخ يشكل 40 في المئة من الانبعاثات الزراعية. ويعتمد الغذاء المقدم في مزرعة «بريزار» على البرسيم بدل العلف الصناعي الغني بالذرة والصويا، بالاضافة إلى بزر الكتان الذي ينبت في المزرعة نفسها. ويؤدي هذا النظام الغذائي إلى تحسين نوعية حليب الابقار وجعله اغنى بـ«الاوميغا-3»، علماً بأن هذه الأحماض الامينية مفيدة للصحة ومكافحة البكتيريا التي تنتج غاز الميثان، ما يقلص من انبعاثات هذه الغازات من الابقار. وتتيح زراعة البرسيم الغني بـ«الازوت» (نيتروجين) للزوجين المزارعين، تحسين نوعية التربة في مزرعتهما، في الوقت الذي تختزن التربة في المزراع الأخرى كميات من ثاني اكسيد الكربون. ويقول الخبير الزراعي بيار ويل أن «القضية بسيطة، فالبقر خلق ليأكل العشب». واثبت سيل الذي يعمل في جمعية «بلو بلان كور» المؤسسة قبل 15 عاماً «وجود علاقة بين حالة التربة، وصحة الابقار، وصحة الانسان، وصحة الكوكب» بشكل عام. وأقر المعهد «الوطني الفرنسي» للزراعة هذه الخلاصات، وكذلك الامم المتحدة التي باتت تعتبر أن هذه الطريقة في علف الابقار لها أثر ايجابي في الحد من انبعاثات غازات الدفيئة. ويتيح تعديل الوجبة الغذائية المقدمة للأبقار تقليص انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 65 في المئة، لكن جمعية «بلو بلان كور» تبقي على نوع من التوازن بين الأهداف المتعلقة بالبيئة من جهة، والضرورات الإقتصادية من جهة أخرى، بالإضافة إلى نوعية الحليب وصحة الأبقار. وتقوم الجمعية شهرياً بفحص الحليب الذي تنتجه مزرعة الزوجين للتثبت من إنها مطابقة للمعايير التي تتبعها. ويشارك في هذا البرنامج 600 مربي مواشي فرنسي، وليس من الضروري بأن يتحولوا جميعاً بالكامل إلى النظام الغذائي الجديد، بل ان إضافة بعض الكتان مثلاً على العلف الغني بالذرة يمكن ان يعطي بعض النتائج الإيجابية. إلا أن المردود المالي لهذه الطريقة ما زال ضعيفاً، فمصانع الحليب في الجوار ليست متخصصة في جمع الحليب المنتج بحسب معايير «بلو بلان كور»، لذا فإنها تشتري حليب المزرعة بالسعر نفسه الذي تشتريه من مزارع أخرى، من دون أن تكافىء المزرعة على جودة النوعية، وتعود أيضاً وتمزج كميات الحليب كلها معاً قبل البيع. ومع إنخفاض سعر الحليب في الآونة الاخيرة، بات المزارعان وأبناؤهما الأربعة يعتمدون في معيشتهم على بيع اللحوم، وهي أغنى من غيرها أيضاً بـ«الاوميغا-3». لكن ذلك لا يثنيهما على الطريق الذي اختاراه في تربية المواشي وصيانة التربة بشكل طبيعي، بعد تفكير عميق.
مشاركة :