بعد سنوات من حالة اللااستقرار والحروب والفوضى الموجّهة من قوى داخلية وأخرى إقليمية وثالثة عالميّة، بدأت تنجلي الغمّة تدريجيّا عن الشقيقة ليبيا، إذْ يجري الاستعداد حثيثاً تحت رعاية الأمم المتحدة، لتنظيم الانتخابات الرئاسية في ليبيا على النحو المنصوص عليه في خارطة الطريق التي تم وضعها. وقرر البرلمان الفصل بين الانتخابات الرئاسية التي ينتظر أن تنظم في 24 ديسمبر القادم والانتخابات التشريعية المقررة بعد ذلك بشهر. وقد دخلت عدة شخصيات سياسية مثيرة للجدل غمار التنافس في الانتخابات الرئاسية الليبية، وقد تجاوز عدد المترشحين الذين تقدموا رسميًا بطلبات وملفات ترشحهم أمام الإدارات الثلاث في المفوضية العليا للانتخابات 60 مرشحاً، وذلك منذ أن بدأت المفوضية العليا للانتخابات تستقبل طلبات المرشحين في الثامن من نوفمبر الحالي. وتكمن أهميّة هذه الانتخابات في سياقها التاريخي والجيوسياسي، حيث تُعلق عليها آمال كبيرة في إعادة الاستقرار إلى البلاد، وذلك بعد أن تحولت الى مناطق تتنازع على النفوذ فيها ميلشيات مسلّحة محلية وأجنبية مدعومة من دول مختلفة تتصارع داخل ليبيا لضمان مصالحها أوّلاً، واقتسام «كعكة» إعادة إعمار ليبيا المنتظر. ويتصدر قائمة الترشّحات اللافتة للانتباه كل من سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، والمشير المتقاعد خليفة حفتر، الرجل القوي في الشرق الليبي، وعقيلة صالح رئيس البرلمان، وعبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة المؤقتة، إضافة إلى فتحي باشاغا وزير الداخلية الليبي السابق، فضلاً عن أسماء أخرى عديدة تدخل حلبة السباق الانتخابي لأوّل مرة، وليس آخرهم رئيسة حزب «الحركة الوطنية» في ليبيا، ليلى بن خليفة، كأول امرأة تترشح للرئاسة في تاريخ ليبيا حيث تقدمت بملف ترشحها للانتخابات الرئاسية المقبلة، في مقر المفوضية العليا للانتخابات بالعاصمة طرابلس. وتجد المفوضية العليا للانتخابات نفسها أمام وضع لا تُحسَدُ عليه، فقد طفت إلى السطح خلافات حادة بشأن من يحق له الترشح للرئاسية، وقد رفضت بعض المكونات السياسية القوانين الانتخابية التي تسمح بقبول المرشحين، وذهب بعض منتقدي القانون الانتخابي إلى حدّ القول إنّ هذا القانون فُصِّلَ على مقاس شخصيات بعينها مشككين في نزاهة هذا القانون داعين إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى فبراير 2022. وقد مثّلت عودة سيف الإسلام، وهو المطلوب من الجنائية الدولية، إلى الظهور خلال توقيعه طلب ترشيحه أمام وسائل الإعلام، وبذلك الشكل الذي يذكّرنا بصورة والده، رسالة مضمونة الوصول إلى المتنافسين أنّ كلّ شيء ممكن في بلد تتجاذبه المصالح من هنا وهناك؛ فسيف الإسلام القذافي لم يتحدث الى الليبيين بعد، ولم يكشف لهم عن برنامجه لإعادة الوحدة إلى البلاد. فعَلَامَ يراهن يا ترى؟ وكردِّ فعلٍ من الشارع الليبي إزاء ترشح سيف نجل الزعيم الراحل معمر القذافي، والمشير خليفة حفتر، خرج مئات الليبيين في العاصمة طرابلس ومصراتة متظاهرين تنديدا بقبول المفوضية العليا ملفّيهما. كما عبّرت المليشيات المسلحة في طرابلس والغرب الليبي في بيانات لها عن رفضها لترشح سيف الإسلام القذافي والمشير خليفة حفتر وهو ما ينبئ بأجواء ساخنة جدًا قبيل موعد 24 ديسمبر المقبل، ويزيد من حدّة وجديّة التحديات التي يمكن أن تعرقل إجراء الانتخابات في موعدها. وتعلم المفوضية جيداً كما تعلم ليبيا وكل من يتابع شأنها أنّ رفض ملفات رموز محسوبة على نظام الراحل معمر القذافي لن يكون أمراً سهلاً، فكل مُرشّح مدعوم بالسلاح أولاً وبعدد لا يستهان به من المؤيدين وبعلاقات خارجية قوية. ومن جهة أخرى تهدد الميليشيات المسلحة بالتصعيد في صورة قبول ترشح المشير خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي. كما لا يُتوَقَّعُ أن تسمح القوى المسلحة التابعة لخليفة حفتر أو سيف الإسلام للانتخابات أن تدور في المناطق الخاضعة لسيطرتها في حال رفض مطلب ترشح هذا أو ذاك من المفوضية. في هذه الأجواء القاتمة، تمرّ الشقيقة ليبيا بمنعرج تاريخي خطير، وبمرحلة مصيرية تحتاج إلى اصطفاف الجميع إلى جانب الوطن، وحثّ الجميع على التعقّل من أجل ميلاد ليبيا جديدة تسع الجميع، وتحتاج أساسا إلى وقف اللجوء إلى الحلول العسكرية وحقن دماء الأبرياء، وإخراج تشكيلات المرتزقة هنا وهناك.. ففي ليبيا الحضارة وليبيا الحاضر وليبيا المستقبل ما يستحق أن يعيشه المواطن الليبي في أمان وسلام.
مشاركة :