الهند هي أكبر دولة ديمقراطية في العالم من حيث عدد الناخبين وثاني أكبر دولة في العالم بعد الصين من حيث عدد السكان وكذلك ثاني أكبر دولة في العالم من حيث عدد المسلمين بعد إندونيسيا. الهند ليست مجرد دولة، بل هي شبه قارة وربما يطلق عليها قارة، أي بلاد عديدة في وطن واحد. ومن السمات الرئيسية في الهند المجتمع المتنوع، ربما تكون الهند هي الدولة التي تضم العديد من الأجناس المتنوعة في العالم. يمثِّل سكان الهند نسبة 17 % من سكان العالم، أمّا ديانة السكان، فيدين غالبية السكان بالديانة الهندوسية، لكن هناك بعض الديانات الأخرى التي يدين بها السكان مثلاً تبلغ نسبة الهندوسيين 80.4 % من السكان، ويبلغ عدد المسلمين في الهند نحو 186 مليون نسمة بنسبة 14% من إجمالي عدد السكان كما يعد الإسلام ثاني أكبر الديانات. شرقت شمس النهضة في الهند مع دخول المسلمين وبدأت الهند تتقدم وتزدهر حتى طار صيتها في كل ناحية من أنحاء العالم. وقبل دخول الإسلام، ظلت الهند وجاراتها وشقيقاتها في التدهور الخلقي والاجتماعي. لم يوجد في المجتمع الهندي العدل والمساواة، وكان الناس يعانون من الشقاء والبؤس من أجل تفاوت الطبقات، وكان المجتمع الهندي كبحر يأكل السمك الكبير فيه السمك الصغير حتى دخل المسلمون، فتغير مجرى التاريخ، وانقلب تيار المجتمع الهندي. كان دخول المسلمين في هذه البلاد نقطة انطلاقٍ من التخلف إلى التقدم، ومن الجور إلى العدل والمساواة، ومن العبودية إلى الحرية والكرامة الإنسانية، ظهرت جماعة من المسلمين الذين حملوا رسالة الإسلام ونشروا تعاليم الإسلام السمحة في جميع أرجاء الهند، وأخرجوا أهلها من الظلمات إلى النور، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن التقاليد القديمة إلى التطور الحديث. لقد ساهم المسلمون في تكوين الهند وحدة سياسية واحدة ومتكاملة، مما يزيد فخرًا واعتزازًا بأن الهند وما فيها من العجائب والطوائف حلّت محل التقدير والإعجاب. وإن مواقف الإبداع والرقي التي وصفها المسلمون في الهند بسواعدهم وإرادتهم الكبيرة تشير إلى دور المسلمين في الإبداع الحضاري على المستوى العالمي. وفي العصر الحاضر تغيَّرت الأمور وقامت الدنيا ولم تقعد بالنسبة لمسلمي الهند، إذ أصدر البرلمان الهندي في12 ديسمبر عام 2019 قانوناً جديداً يعد من أخطر القوانين التمييزية ضد المسلمين. يستهدف هذا القانون الجديد القضاء المبادئ العلمانية المكفولة بالدستور الهندي. ومن جانب، تشتعل حركات ومنظمات هندوكية متطرفة عاطفة الهندوس الدينية وتضرب على وترهم الحساس وتدعو لإخلاء البلاد من المسلمين وهندوسية الهند بإقامة دولة هندوكية، وتنفيذ جميع الشرائع الهندوكية، ولا مجال فيها إلا لمن يعيش منصهراً في بوتقة العقيدة الهندوكية والتيار الهندوسي. والمتعصبون الهندوس في هذه الأيام، يعيشون كالدجاجة المخلاة والإبل الشوارد، يقولون ما شاءوا، ويفعلون ما أرادوا، وقد بلغ بهم الحقد على الإسلام والمسلمين أنهم أعلنوا أنهم سوف يجبرون المسلمين على اعتناق الهندوسية، فليست المشكلة ما يعلنه ويقوله المتعصبون من الهندوس، وإنما كل المشكلة هي سكوت الحكومة وعدم جديتها حتى في مثل هذه القضايا الساخنة المصيرية. ومن جانب آخر، إن هناك الكثير من الهندوس يؤمنون بالتعايش السلمي والاجتماع والحب والوفاء، ويكرهون كل الكراهية التفرُّق والتشتُّت والعنصرية والاعتداء الطائفي على المسلمين، بل الكثير منهم يساندون المسلمين للوقوف ضد الظلم والطغيان، فليس الحل الحاسم إلا تكوين الجو الأخوي الهادئ المفعم بالحب والإخلاص والوفاء وتبادل الاحترام، وتعميم رسالات الحب والإخاء. ** ** الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها - جامعة عالية، كولكاتا - الهند
مشاركة :