أوردو- سعود علي : حفاوة الترحاب وكرم الضيافة هما سمتا التجربة التي يخوضها حالياً إعلاميون عرب في مدينة أوردو التركية خلال ملتقى الترويج السياحي والاستثماري الأول الذي بدأت فعالياته في الخامس ويستمر حتى الحادي عشر من نوفمبر الجاري، والمقام تحت رعاية السيد الوالي عرفان بالقانلي أوغلو، الذي يسعى بجدية وعزم شديدين لإنجاح العديد من المشاريع السياحية والاستثمارية منذ تعيينه والياً في مارس من العام الماضي. وتأتي دعوته لعقد ملتقى الصحفيين والإعلاميين العرب بهدف تحقيق طموحاته لإظهار الوجه المشرق لمدينته، ولتعريف العالم الخارجي بماهية تلك المدينة التي تحظى بمقومات سياحية قلما توجد في الكثير من المدن التركية الأخرى، ولتشجيع رجال الأعمال للمساهمة في مجالات السياحة والإعمار وكافة المجالات الأخرى، لكونها مجهولة من قبل السياح والمستثمرين حتى اليوم بعكس باقي مدن تركيا التي شهدت طفرات سياحية واستثمارية كبيرة في السنوات الماضية. حفاوة وترحاب حظي الوفد الإعلامي باهتمام كبير إذ حرص والي أوردو على استقبال ما يزيد على 70 إعلامياً لدى وصولهم في قاعة كبار الزوار في المطار وأسهب في تأكيد سعادته باستقبال المدعوين وتمنى لهم طيب الإقامة والاستمتاع خلال الفترة التي سيقضونها في أوردو التي يحبها ويفتخر بها كثيراً. وفي اليوم التالي بعد رحلة صعود رائعة عبر "التلفريك" استقبل والي أوردو الإعلاميين المشاركين في الملتقى على مائدة إفطار في أعلى قمة من قمم المدينة الشاهقة، بحضور شخصيات رسمية ووسائل إعلام تركية، وخلال اللقاء أعاد السيد أوغلو الترحيب بالصحفيين العرب بالقول: أنتم إخوتنا في الدين والإسلام، نسعد بلقائكم ونرحب بكم في مدينتكم. وأضاف بثقة: يهدف الملتقى إلى تعريف العرب من سياح ومستثمرين بأوردو المشهورة بإنتاج البندق وتصديره إلى كافة أنحاء العالم، والتي تجمع الكثير من مميزات مختلف مناطق الجمهورية التركية. استراتيجية سياحية ثمن الوالي دعم الدولة التركية استراتيجية استقطاب السياح ومنافسة إسطنبول وطرابزون وغيرهما من مناطق الجذب السياحي، مشيراً إلى أن الإستراتيجية التي تنتهجها الولاية بدأت مرحلتها الدعائية بعد توفير أقصى ما يمكن في البنى التحتية من مطار يعد فخراً للجمهورية التركية وأسدل الستار على عزلة المنطقة، وساهم في تقريبها من العالم، إضافة إلى تمهيد وتعبيد الطرق التي تؤدي لمختلف المناطق السياحية، خصوصاً تلك التي تقع في المرتفعات وعلى قمم الجبال. كما أبدى فخره بعدد الفنادق التي تم بناؤها لتنافس في طاقتها الاستيعابية مناطق السياحة المجاورة في باقي المناطق، إلى جانب العديد من المنتجعات الفخمة على قمم الجبال ووسط الغابات وعلى ضفاف الأنهار والبحيرات. وأنهى حديثه بالتأكيد على أن كافة أطياف المجتمع المدني من مسؤولين ومواطنين حريصون على نقل منطقتهم من اقتصاد البندق ليمتد ويشمل النشاط السياحي. جدول حافل حرص منظمو الملتقى على وضع جدول يومي حافل يبدأ في الثامنة صباحاً ويستمر حتى بعد الثامنة مساء، يشمل التنقل بين ربوع المدينة البكر من قمم جبلية ووديان وشلالات وأنهار، والكثير من إبداعات الطبيعة الخلابة التي أنعم الله بها على أهل أوردو الساحرة، التي يطلق عليها الكثير من الأسماء مثل: "قلب الشمال" و"جوهرة البحر الأسود" و"عاصمة البندق" و"قطعة من الجنة" و"أرض الهدوء" و"مدينة الأكسجين". مطار عائم تستغرق الرحلة بالطائرة من إسطنبول إلى أوردو حوالي الساعة والنصف تحط بعدها الرحلة في مطار المدينة الواعدة الذي أنشأ في منطقة غولوالي التي تبعد 19 كيلومتراً عن وسط مدينة أوردو، والمبني على مساحة مليون و750 ألف متر مربع وله القدرة على استقبال حوالي 900 ألف مسافر يومياً. والمدهش في الأمر أن المطار أنشئ فوق مياه البحر الأسود ليكون المطار الأول والوحيد في القارة الأوروبية الذي يقع بأكمله فوق المياه، وثاني مطار في العالم بعد مطار أوساكا في اليابان. وبمعاينة المدينة تجدها عذبة كالقصائد الرومانسية، رائعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. بحرها يعزف سيمفونية هدير متواصل، تردد معه القمم الشاهقة والغابات الوارفة المواويل، وتغني بينهما الأنهار والبحيرات. الذهب الأخضر من الصعب وجود أرض منبسطة في أوردو، ورغم ذلك تتميز بطبيعتها الساحرة، المحفوفة بأشجار البندق التي تنتشر على سلاسل الجبال وسفوحها ووديانها، والتي تعد من أهم وأقوى مصادر الدخل القومي، ويشتهر لدى أهل المدينة مهرجان سنوي يحمل عنوان: "مهرجان البندق الذهبي"، حيث يحتفل الأهالي في سبتمبر من كل عام بإنتاجهم الذي يمثل ثلاثة أرباع الإنتاج العالمي، ما يجعلها المصدر الأول في العالم، وتقدر قيمة صادرات تركيا من البندق بحوالي ملياري دولار. ومن النادر خلال التجول في أوردو أن تشاهد أشجارا غير أشجار البندق، ولا يكاد يخلو أي نشاط شعبي أو رسمي من الاعتزاز بكنز مدينتهم الثمين، إذ يحضر على رأس قائمة الهدايا التي يقدمها السكان لضيوفهم، ويعتبره السكان المحليون نفط المنطقة أو ذهبها الأخضر، باعتباره العمود الفقري للنشاط الاقتصادي للمحافظة. احترام إجباري ويمكن القول بأن من اعتاد زيارة تركيا وتنقل بين مدنها ولم يعرج خلال رحلاته على أوردو كمن لم يزر تركيا أبداً. وليس في ذلك القول مبالغة وإنما هو واقع لا يدركه إلا من يزورها. فتلك المدينة ساحرة بمعنى الكلمة، لما تتميز به من جمال طبيعي وإخلاص من قبل مسؤوليها على تأكيد جمالها عبر الاهتمام ببناها التحتية، لديها شواطئ نظيفة ممتدة، تزينها أشجار كثيفة على طول الممشى المحاذي للشاطئ، شعار المدينة مطبوع على كل عمود من السياج الذي يفصل طريق المشاة عن طريق السيارات، وتجد على طول الممر الطويل إضاءة وكراسي للراحة. إشاراتها الضوئية مميزة فعندما يتغير لون الإشارة يتغير معه لون العمود الحامل بكامله، ولا تكاد تجد طريقاً أو مبنى أو منشأة أصابها تلف وأهملت. كل التفاصيل وضعت في الحسبان. أمطارها تواصل الهطول في هذا الوقت من العام لأيام متتالية، ولكن تنساب من الشوارع ولا تبقى بعد توقف المطر. تبقى في الذاكرة مدينة نظيفة، وتعتبر النظافة شعارها كما الجمال سمتها، وشعبها مضياف ودود. رغم صغر مساحتها مقارنة بباقي محافظات ومدن الجمهورية التركية إلا أنها تتميز بتنوع وثراء في الأماكن التي يمكن زيارتها. ولا يمكن المرور عليها سريعاً دون التوقف لأيام والتمتع بما تحمله من مفاجآت، ورغم أن البحر الذي تطل عليه يسمى البحر الأسود إلا أن من يراه يستنكر تلك التسمية لما يراه من صفاء لونيه الأزرق والأخضر. وكل من يزورها لا بد أن تبقى في ذاكرته، ويتردد في ذهنه سؤال واحد: كيف لم أسمع عن أوردو من قبل؟.
مشاركة :